|
التسامي للخلاص والمقاومة
هو غريم يضحك له كصديق، ويتصيد له العثرات في كل مسعى، ولا يرضيه من خالد في كل الأحوال إلا بالسعي لعرقلته وشتمه
ولكن خالداً يسمو فوق عداوته فلا يؤذيه ولا يهجوه، ولكن يتجه إلى (الخطأ) وليس إلى صاحب (الخطأ) ويعاتب (عين الخطيَّة)
طبيعي ان أنبل عقوبة لمثل هذا الغريم هي الغفران له وتوجيه اللوم إلى (الضعف) البشري، إنه عدو مسكين لا يستحق اللوم ولا يستحق التمجيد بطبيعة الحال!! وهو يواجه الحسود الذي لا يكف عن ملاحقته حتى في اسلوب لبسه ل (الكوت) يحسده أيضا عليه، إنه يواجه حسوده بذكر ما أعطاه الله من النعميات العظيمة، فعنده الإيمان المطمئن بالقدر خيره وشره، وعنده الحب العظيم للناس، وعنده فوق الحب مزيد من الحب فلا يتسع صدره لكره أحد من الناس، إنه لا يكره حتى حساده، إنه يدعو لهذا العمر بأن يلهمه ربه الصواب (يا حاسدي ترى العمر فايت، يهديك رب للمحبّه هداني) وهؤلاء الحساد فيما يبدو من النوع الذي لا يرضيه من المسحود ما يحاول أن يفعله لاحتوائه، أو تحييده، أو الابتعاد والهرب من طريقه، لا يرضيه البذل ولا التلطف والتحبب باللطائف والظرائف، إنه من النوع الذي لا يقبل إلا فناء المحسود، وحتى فناؤه لا يرضيه إلا بما هو فناء فوق كل فناء.
إنه إلى فوق ولا ينظر إلى أسفل، ولا عليه فإنه مشغول بصيانة الورود والزهور، والكون كله جميل
على أن كل عداوة بين طرفين مآلها إلى زوال إلا عداوة الحسود. ولا سيما إذا كانت عداوته متأصلة من حسد قديم شنيع، ومأساة كل مبدع مثل الأمير تكمن في الابداع نفسه، إذ أن كل مبدع محسود، إنه محظي بنعمة الإبداع، إنه من حيث لا يدري يثير الغيرة التي تقود إلى الحسد، إنه يثير السخط مثلما يثير الإعجاب ولا يخلو من حسد شنيع من أقرب المقربين إليه، إن مثل هذه العداوة هي في مضمونها أشنع أنواع العداوات ولذلك فإنه لا يقابلها بالرضوان وينصح الناس بقوله: (إحذر عدوك) وقوله: (لا تأمن الخَوَّان لو زخرف حكاه، من خان بِكْ مرة يبي باكر يخون) إنها عداوة لا ينفع فيها الرضوان ولا ينفع الغفران لأنها متأصلة في نفس خسيسة منحطة ومنتنة أيضاً. الاعتراف وأدب الاعتراف؟ والمطابقة بين خالد الشخص/ النص يمكن إدراكها في أحزانه على كل قديم جميل لا يعود، وفي تأملاته الرثائية، أو في حالات الاغتراب الايجابية، أو في فلسفته الخاصة تجاه الميلاد والغياب، وروح التسامي جامحة لا ترضى بالنزول للاصغاء إلى من هم في الأسفل ولكن حدث شيء ما قالت: من أنت؟!
المفاجأة في هذه المحاورة بينه وبينها أنه على غير عادة الشعراء الذين يظهرون دائما في صورة الفارس الأسطوري الذي لا يُقهر، لم يتقدم نحوها في صورة الإنسان الكامل، أو البطل المثالي، أو المخلوق السوبرمان كان يرمي بين يديها باعترافاته المتلاحقة طوعاً منه لا يخاف عقاباً ولا يرجو ثوابا ويعطيها في النهاية سلاحه كله وعنان فرسه ولا يبخل بآخر اعتراف لا يجود به إلا مجانين الهوى، وحتى هؤلاء المجانين لا يمنحون مثل هذا الاعتراف
لا تثريب عليك اليوم!! |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |