* حائل - عبدالعزيز العيادة:
عمَّ الحزن الوطن وكانت حائل أشبه بليل باكٍ إثر رحيل الفنان والمخرج التلفزيوني الفقيد سعد الفريح العفنان الذي انتقل إلى رحمة الله فجأة وهو يحضر ويصور لبرنامج (أسفرت ونورت) في حائل احتفاءً بمقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زيارته المرتقبة إلى حائل.
وقد كان الفقيد قد التقى صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل في جدة في لقاء تحضيري للعمل ومتابعة الاستعدادات الإعلامية للزيارة.
كما التقى الفقيد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة وشرع بتصوير البرنامج بأفكار وسيناريو مختلفة ومتميزة تتناسب ومكانة وقدرة الفقيد الإخراجية.
وكان الفقيد في آخر يوم له قد قام بعمل مضاعف بدأه بالتحضيرات في مكتبه بنفس الشقق التي كان يسكنها ثم قام بالالتقاء بالمسئولين بمطار حائل يتقدمهم الأستاذ حسين المطاوع وقام الفقيد بترتيب مواقع الكاميرات في المطار بحيث يتم تصوير المناسبة وكأن لا يوجد كاميرات وركز على القضاء على ظاهرة التزاحم خلال التصوير والربكة وبعد التنقل في عدة مواقع بالمطار وفي أجواء مشمسة انتقل إلى مواقع تصوير خارجية في ميادين وشوارع حائل ثم انتقل إلى ديوانية رجف القوافي واستمع لأحد الأعمال التي أنتجتها الديوانية للمناسبة حتى تداخل الوقت مع موعد آخر لزاوية من التصوير في نقبين وبعد الانتهاء من الجولة الاستطلاعية فيها انتقل إلى مركز المغواة للاحتفالات حيث كان الإعداد لعدد من الفقرات التصويرية التي سيتم تصويرها بعد الساعة العاشرة والنصف ثم عاد إلى السكن لراحة وانتظار وصول بقية المصورين الذي قدموا من الرياض لهذا الغرض، عاد الفقيد إلى المغواة وصور عدداً من الفقرات بأجواء استثنائية رائعة كان فيها يمازح الجميع حتى حركاته التوجيهية كانت أشبه بإيماءات.
والد حانٍ على أبنائه على عكس ما يقوم به بعض المخرجين من حدة وانفعال وقد شعر خلال ذلك اليوم وتقريباً من العصر بوخزة في صدره فسَّرها حينها بأنها من أثر المكيف في الليلة السابقة التي كان يقول إنه شعر ببرودة شديدة وقد أخذ بعض المسكنات خلال العمل ورفض الذهاب إلى المستشفى ولكنه بعد أن أنهى التصوير بالمغواة قال إن الألم ارتفع من صدره إلى أعلى باتجاه الحنجرة وكان يردد حينها هذه مناسبة عظيمة وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو الوالد الحاني ولابد أن نعكس مشاعر هؤلاء البسطاء من هذا الشعب الوفي لهذا القائد الغالي وتفاجأ زملاء الفقيد عندما أرادوا أن يوقظوه بعد نومته الأخيرة أنه فارق الحياة مستلقياً بوداعة على فراش الوداع، وكانت المفاجأة أنه كان يرحمه الله قد نام بلباس العمل الذي كان أعلاه صورة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي حرص أن يضعها على صدره، ونام نومته الأخيرة وكان يحضنها بوفاء.
قصة الوداع الأخير
وقد كانت (الجزيرة) مع الفقيد في لحظاته الأخيرة مرافقاً له وتنفرد بكشف كل التفاصيل الدقيقة للرحيل الموجع للفقيد الغالي سعد الفريح رحمه الله وتنشر آخر الصور التي التقطت للفريح قبل ساعات من وفاته وبعض مشروعاته التي كان قد أنهاها ولم ترَ النور وكيف كان وقع الخبر على أحبابه وأقاربه وزملائه.
الفقيد كان مع المصور التلفزيوني في حائل خالد الباحوث في رحلة الذهاب والعودة إلى مركز المغواة للاحتفالات مكان التصوير الأخير ويتحدث ل(الجزيرة) الباحوث والعبرات تكاد تخنقه حيث يقول: لا أصدق أن تلك القمة الشاهقة رحلت عنا إلى الأبد، لا أكاد أصدق أن كل تلك الإنسانية والقدرة الإخراجية المتميزة ذهبت ولن تعود، وقال كان الفقيد وخلال مرافقتي بسيارتي يتحدث بحماس عن الوطن عن حب الناس عن العطاء، وقال الباحوث كان الفقيد يتحدث عن عدد من العاملين معه في البرنامج من حائل والرياض من فنيين ومعدين بشكل يثير الإعجاب، وقال: سألته عن مؤسسته الفنية ولماذا لا يكون لها فرع بحائل؟.. فردَّ بسرعة بقوله: لا يا خالد لست من محبي الدنيا ولست ممن يحرص على جمع المال، أنا أبحث عن الإبداع والتجدد وليس في مفكرتي أطماع، ثم استطرد الباحوث يقول: لقد وجدت في هذا العمل كل ما أريد من أجل رد جزء بسيط للوطن والقيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولحائل وأهلها التي لا يمكن أن أصف غلاها، وقال الباحوث: إنه كان يقول إنه معجب بعدد من الوجوه الشابة معه بهذا العمل وقدرتها على إيصاله إلى ذروة حماسه لإخراج متميز لهذا العمل، ويقول الباحوث: وعند العودة إلى السكن قال أشعر بألم شديد، وقال قلت له: أرجوك سأذهب إلى المستشفى فرفض بشدة مطلقة وقال تعودت على الآلام وستذهب بإذن الله.
ساعات الهلع
أما المخرج التلفزيوني في تلفزيون حائل فهد العفنان الذي كان مع الفقيد وآخر شخص مع الفقيد وكان في غرفته فقال المصاب كبير والفاجعة كبيرة والوطن ككل قد خسر مبدعاً كبيراً وعظيماً لا يمكن أن يتكرر ولكن لا يمكن أن أنسى هذا الوداع المؤثر الحزين لهذا العملاق، وقال كانت توجيهاته مدرسة وإحساسه قمة وإنسانيته باذخة في العطاء والتسامح ووصف اللحظات الأخيرة وهما في الغرفة، وقبل أن يستلقي على فراش الوداع، فقال لقد كان متعباً وطلبت منه أن أقوم بتدليك موضع الألم في صدره، حيث كان يقول إنه برد ورجوته فرفض بشدة، ومازحته حتى يوافق على أن أدلك صدره فضحك رحمه الله ثم أوصاني على العمل والزملاء بقوله: أريد منك أن تضع فريقي عمل من الزملاء من أجل الإسراع بعمليات التصوير، وكل فريق يذهب باتجاه، ثم رسم سيناريو التصوير ومواقع وكيفية تصوير اللقطات لكل مشهد وكل فقرة، وقال وكأنه كان يرتب للوداع: لا تنتظروني قوموا غداً وصوروا بهذا الشكل وحسب ما رسمته لكم وكونوا حريصين على الإتقان وأنا واثق بكم، ويقول المخرج فهد العفنان: عندها شعرت بالخوف ولكنني توكلت على الله وطمأنته وقلت كل شيء سيكون على ما تريد وعندما أُحضر العشاء طلبنا منه أن يتناول العشاء معنا فرفض، وقال: لا سأنام وأستريح وكان الوداع الأخير رحمه الله.
توأم روحي وأبو الإبداع
أما المخرج المتميز خالد الطخيم فقد كان في قمة تأثره في فجر ليلة وفاته وقال: لقد علمت بخبر وفاته من أمير حائل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الذي بدأ لقائي معه بتقديم العزاء بفقيد الوطن والإعلام السعودي الفقيد سعد الفريح، وقال: لقد كانت الصدمة كبيرة فالفريح توأم روحي وأحد أساتذة الإخراج السعودي، وقال: كيف أصف هذه القامة العظيمة فلا حديث عن التلفزيون ككل من الستينيات ولا حديث عن الإبداع والعطاء والإخلاص والقدرة إلا ويكون سعد الفريح في المقدمة، وقال إن الذي يعرف الفريح عن قرب يعلم كم خسر الوطن بفقدانه وكم خسر التليفزيون برحيله، وقال: الموت حق ولكن لن يكون هذا الرحيل سهلاً علينا، ووصف أعمال الفريح وطموحه بأنه نادر، وقال إن عدم رضا الفريح أحياناً من بعض أعماله يعود إلى طموحه الكبير لإخراج عمل خلاق وفريد، وقال المخرج الطخيم: هناك جانب إنساني مهم وهو أهمية تكريم هذا العلم ودراسة كل ما يمكن تقديمه لأسرة وأبناء الفقيد؛ تثميناً وعرفاناً لإخلاصه وإبداعه للوطن والتلفزيون السعودي منذ بداياته بالأبيض والأسود وحتى وقتنا الحاضر، حيث رحل وهو بمهمة عمل تلفزيونية مهمة لاستقبال المليك.
اهتمام كبير
وكان الاهتمام بوفاة الفقيد الراحل شمل كل أبناء الوطن ابتداء بأمير حائل وسمو نائبه ووكيل الإمارة الدكتور سعد بن حمود البقمي، كما كان الاهتمام كبيراً من معالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني وكل مسئولي الوزارة ورفقاء الفقيد وتلاميذه من كل قطاعات الوزارة المختلفة، وشرع التلفزيون السعودي، القناة الأولى، بمتابعة من الأستاذ سليمان العيدي بتصوير مراسم الصلاة ودفن الفقيد بالمقبرة ومشاعر أحبابه في هذا المصاب الجلل.
ما كتبه بخط يده
وتكشف (الجزيرة) وبخط يد المخرج الراحل سعد الفريح سيناريو برنامجه الأخير الذي لم يرَ النور وعنوانه حسبما اختاره الفقيد (أسفرت وأنورت) وهو برنامج احتفائي بخادم الحرمين الشريفين، حيث يشير بالبداية إلى لقطات سريعة جداً من جميع المشاهد في العمل ومقدمة لأناشيد المليك، ثم رسم رحمه الله شكلاً يمثل جبل عيرف وكتب المذيع في أحد المواقع وليكن اعيرف قبل الشروق أو الغروب ويقول:
مشاهدينا الكرام ومن عروس الشمال حائل يسعدنا أن ننقل لكم بعض مشاعر المواطنين والمواطنات
(ينزل الإعداد والتقديم)
الذين هبوا صغارا وكبارا بدوا وحضرا لاستقبال مليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله وخلال هذا يتغير النصف الثاني من الخلفية... الخ.
وفي موضع آخر كتب بخط يده أيضاً.. أطفال في الميادين تراهم يتسلقون أحد المعالم في إحدى الدورات الكبيرة ويكتبون عليه بعدة ألوان الملك عزوتنا الملك عبدالله والدنا، الملك عبدالله يابعد حيي أبومتعب قرة أعيننا أبومتعب ياحيي وميتي وهكذا يعني عدة عبارات وكل طفل يكتب عبارة ويتم التصوير من الخلف بحيث تظهر ظهورهم وعلى الظهر صورة الملك عبدالله عبر فنايل تعد لهذا الغرض والصور الضوئية المصاحبة بخط يده تبرز تفاصيل أكثر إنسانية.
فوق الإنسانية
بطبيعة كل المخرجين تكون أساسيات العمل هي المسيطرة على أفكار كل مخرج من إضاءة وأدوات أخرى بينما كان الفقيد إنساناً فوق الإنسانية حتى كتب بخط يده لأحد العاملين معه بالبرنامج الذي كان يشكو إحدى عينيه كتب المخرج الراحل هكذا: قطرة لعين.... الخ.
بينما لم تستطع الشاعرة البارزة (وفاء الفواز) التحدث وإكمال الحديث عن المخرج الراحل الفريح بعد أن علمت بوفاته وقال بصوت باكٍ ياليته بم يكلمني ياليتني لم أسمع صوته، لقد شعرت بأبوته وهو يتحدث عن الوطن وشموخ أجا وسلمى، لقد تأثرت كثيراً عندما لم يستطع إكمال حديثه معي وكان يقول لقد سقطت من عيني الدموع، فالعمل كبير ووطني، ثم سلم الجوال لأحد المرافقين الذي اعتذر وقال حالة المخرج الفريح لا تسمح بإكمال الحديث حيث كان متأثراً بحس عالٍ.
جئنا من أجله ورحل
أما زملاء العمل الأخير وهم من المصورين الشباب المتميزين وهم رشيد المشيقح ومحمد القحطاني وفيصل المطيري فلم يستطيعوا التعبير عن الموقف الصعب والفراق المر، وقالوا: موت معلمنا فجيعة لا توصف، وقالوا عن اللحظات الأخيرة: إنها أشبه بحلم لا يتكرر، وقال رشيد المشيقح: لم أتردد لحظة بتلبية نداء أبا وضاح الذي كنت وما زلت من المعجبين بشدة بحسه وفنه وإنسانيته، وقال: لقد سمعت منه كلاماً جميلاً ووصفاً رائعاً لك أنت أخي عبدالعزيز، وأتمنى ألا تحذفه كما فعلت مع زملائي الآخرين، خصوصاً في التحضير والإعداد للبرنامج، وتحدث بألم الفراق، فقال: مدرسة سعد الفريح أنموذج فريد للعمل الخلاق، ودعا الله أن يرحم الفقيد ويسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه الصبر والسلوان.
الصلاة عليه والدفن
وقد أقيمت صلاة الجنازة على جثمان الفقيد تقدّمها نيابة عن أمير حائل وكيل الإمارة المساعد خلف بن علي الخلف وعدد من المسئولين وجمع كبير من أهالي حائل وأحباب وأشقاء الفقيد، حيث تم دفن الفقيد في مقبرة الزبارة وسط أجواء حزينة اختلطت بها عبارات الدعاء له بدموع كل حائل.
جدير بالذكر أن المخرج سعد الفريح قد أنهى أضخم عمل فني كبير عن المغفور له الملك عبدالعزيز رحمه الله قبل وفاته بأيام وكان يعد العدة لاتخاذ الإجراءات النهائية ليرى النور ولكنه رحل قبل أن يتم حلمه الأخير!
|