سهوب بغدادي
تتردد على مسامعنا كلمة لقمة في مواضع عديدة مثل، لقمة العيش، ولقمة هنية تكفي مية، ولقمة القاضي، وما إلى ذلك، وترتبط في العادة بوصف لشيء ما أو أكلة، ولكن ماذا لو ارتبطت كلمة لقمة بحياة؟ كيف؟
في أحد الصباحات البهية تناولت الإفطار في مطعم مكتظ بالأشخاص، وكان من بينهم عوائل معهم أطفال، كالعادة أحب تأمل ردود فعل الأطفال وتصرفاتهم نظرًا لعفويتهم ونقاوتهم، وأحاول أن أغوص في أعماقي بحثًا عن مواطن الشبه والاختلاف بين ما يصدر من أحباب الله والبالغين، فوجدت طفلين علت على ملامحهما «الشقاوة» وقصة شعر غريبة أشبه «بالزبدية» ولكنها لطيفة حقًا، ومناوشات بين الأخوين المتطابقين نسبيًا من تحت الطاولة، قام الأب بإعطاء لقمة للطفل الأول من ثم لقمة للطفل الثاني ولم يلتفت أيهما للآخر، بعدها قام الأب بمد يده لأبعد نقطة في الطاولة لإعطاء «أم العيال» لقمة، أكلتها بطمأنينة، فعلى أعين الطفلين بريق وهاج ونظرة تأملية حالمة للأم متصاحبة بابتسامة! في تلك اللحظة العابرة والفعل المعتاد، شكل الأب مثالاً حيًا أمام أطفاله لمعنى الحياة والمودة والرحمة، وخارطة طريق للتعاملات مع المقرّبين، ولا أعلم كيف سيكون أسلوب الوالد مع الغرباء ولكن ما رأيته يكفي -حمى الله تلك العائلة-، على الرغم من عدم رؤيتي سوى طرف يده من خلف الشجرة التي حالت بين نظري وبينه، وذلك يكفي! إن حياة الطفل وذكرياته تكمن في تلك التفاصيل المتناثرة والمتناهية الصغر التي قد لا نعيرها أهمية، أو أن ننصرف بكل ما أوتينا من قوة لتأمين غيرها من الأمور والمستلزمات والحاجيات والاحتياجات المتداخلة في الرعاية لا التربية، لننسى أن المثال الواقعي للحياة والقدوة الحسنة أهم من أي شيء آخر، نعم، لقمة هنية تكفي مية، ولقمة هنية تشبع ذاكرة أطفالنا بالحب والحنان.