ليلى أمين السيف
يعتقد الكثير من الناس أن خير وسيلة للحصول على حقك هي انتزاعه ولو بالقوة ولذلك فإن المثل أعلاه يشفي غليلهم ويعطيهم الحق لأن يشرّقوا ويغرّبوا كي يحصلوا على ما يستحقونه ومالا يستحقونه وفقاً لعنوان مقالتنا هذه. من المؤسف حقاً أن يطغى الفهم السقيم عن تدبر معنى هذا المثل في حياتنا، وبدلاً من التحايل لأخذ الحقوق أصبح ديدن البعض يتحايل ليغتصب ما ليس له فيه حق.
بالأمس القريب دار حديث بيني وبين بعضٍ من شبابنا اليافع الممتلئ عزة وكرامة وفخراً بدينه حيث قال لي ذاك الشاب اليافع واسمه صالح وإن شاء الله له من اسمه نصيب أنه سيذهب لأداء صلاة الجمعة سواء وافقت معلمته أم لا. فقلت له ياولدي «ما هكذا تورد الإبل» نحن في بلد ثمانون بالمئة من شعبه ملحد وهناك حملات ممنهجة على ديننا داخل بلاد الإسلام فما بالك وأنت في ديارهم وبين ظهرانين من يكن كرهاً لدينك فعليك أن تتلمس الطريق لتؤدي واجباتك وفروض دينك بدون جلب الأذى لك أو لباقي المسلمين المقيمين في البلد ليتخذوا ذريعاً للحرب على الإسلام بداعٍ وبدونه.
من ناحية أوضحت له أن لنا في رسول الله أسوة حسنة فهو صلوات ربي وسلامه عليه حيث استمرت دعوته بشكل سريّ مدة ثلاث سنوات وفي ذلك حكمة بالغة فمكة وقتها كانت مركز دين العرب ففيها الكعبة، والأصنام، والأوثان التي كانت تقدسها العرب ووقتها لم يؤمن بالنبي صلوات الله عليه سوى الضعفاء والفقراء فكان لابد أن يقوي بنيان تلك الدولة ولله الحكمة البالغة.
ومن ناحية أخرى ذكرت له كيف أن مديرتي استدعتني ذات يوم في بدايات التحاقي بعملي الحالي وأبلغتني أن هناك شكوى مقدمة عليّ بأنني «أختفي» لبضع دقائق وأنهم يعتقدون أنني أصلي في غير أوقات «الفراغ» المنصوص عليه فأبلغتها أنني أصلي في وقت فراغي وأمام الجميع فهل في هذا مشكلة؟ وأنني أعلم زملائي حتى لذهابي لدورة المياه ليس استئذاناً فهذا حق طبيعي لي ولكنني أعلمهم بغيابي كي يعرفوا أين أنا فلا يبحثون عني «إضافة لغاية في نفسي». فأبلغتني أن لي الحق أن أعمل ماشئت في وقت فراغي. وكنت دوماً مرمى العين والبصر أؤدي عملي كما ينبغي وأقتنص الفرص لأداء صلواتي وفقاً لخطة اعتمدتها.
كما أنني أفهمته أنني تعمدت أن أصلي أمام الزملاء كي يعلموا أني مسلمة قولاً وفعلاً وكي أبدأ في خطتي الأخرى التي قمت بها على مراحل.
فكنت أصلي باقي الفروض إما تحت السلم بعيداً عن الأنظار أو في غرفة أحد النزلاء أو في غرفة تبديل الملابس.
كنت أواجه صعوبات لأداء الفرائض خاصة في فصل الشتاء حيث نصلي الأربعة فروض بدءاً من صلاة الفجر حتى المغرب في العمل وذلك لتقارب أوقات الصلوات النهارية في شتاء السويد.
لم أخل بعملي أبداً بل إنني أنشطهم عملاً حتى أنهم شكوني للمديرة لأنني أعمل كثيراً وأقوم بعملي على أكمل وجه وفي المقابل كان زملائي يكثرون من الجلوس لشرب القهوة أو تناول الكعك حينها أنتهز الفرص كي أختفي بضع دقائق لأداء صلاتي وأدعو الله ألا «أنكشف».
ثم بعد فترة وجيزة بدأت أصلي الضحى أمامهم فهم جالسون يقهقون ويشربون القهوة ويتناولون الكعك فيصمتون احتراماً «لحديثي مع الله» ويطلبون مني أن أدعو لهم وبدأوا يسألوني أسئلة عديدة عن عدد الصلوات وماذا أتمتم في صلاتي وكيف أحتمل الالتزام بها في أوقات مختلفة وأشادوا بنظام الصلاة وشبهوها بالتمارين الرياضية فأفضت واستفضت شرحاً ودعمت حجتي بأبحاث غربية تبين أهمية الصلاة ولم يكونوا كذلك معي في البداية ولكنني لم أعاندهم بل سايرتهم حتى وصلت لمرحلة أن مديرتي أعطتني حجاباً و»قمطة» وزياً طويلاً لما تحت الركبة وواسعة أكمامه.
فقد قلت لها إنني أخجل من نفسي ومن الزي القصير وأنني أرتدي بلوزة بكم طويل ليس لأنه حرام أن أرتدي القصير ولكنني أشعر بالبرد دائماً وعندما أكون في شقة النزيلة فإنني أرفع الكم من أجل النظافة والوقاية وكي لا أخل بالقوانين المرعية.
وأذكر أيضاً أن الصيام قبل كذا سنة في السويد كان مرهقاً جداً حيث كنا نصوم 21 ساعة فكنا نتعب عطشاً ولم أظهر تعبي لزملائي بل قدمت طلباً أن تكون ساعات عملي صباحية حتى الساسة أو الخامسة عصراً لأننا كنا نرهق من التعب بعد الساعة الثامنة أو التاسعة مساءً حيث كنا نمسك عن الطعام الساعة الثانية صباحاً ونفطر الساعة الحادية عشرة ليلاً. تجدر الإشارة إلى أن شبابنا الأبطال كانوا يقاومون ببسالة ويتحدون الصعاب فقد كنا كلنا نشعر أن ديننا أمانة بين أيدينا في هذه البلاد وعلينا أن نكون «قد الأمانة» ولم نبدِ أمامهم إعياءً أو تعباَ وإن شعرنا بشيء من هذا القبيل فنذهب إلى دورة المياه لمسح وجوهنا كي لايقال إننا غير قادرين عن العمل وكي لايوبخ الآباء ويتم سحب الأبناء منهم عن طريق السوسيال اعتقاداً أنهم يجبرون أبناءهم. وبالطبع كان الآباء يطلبون من أبنائهم أن يفطروا إن شعروا بالإرهاق وأن ديننا يسر وبإمكانهم القضاء فيما بعد.
قلت لصالح وإخوته الذين كانوا يستمعون بشغف أن المؤمن كيّسٌ فطن وأننا نستطيع أن نجد حلولاَ بما يتوافق والشرع بلا ضرر أو أضرار ولكي تسلم من شر الأشرار فلنسدد ونقارب ولنحتل بحق وذكاء.
نسأل الله أن يرزقنا سعة البصيرة والحكمة لندبر أمورنا بدون صدام أو مشاكل مع الغير.