عبدالله إبراهيم الكعيد
تُحشر مفردة الإنسانية في الأحاديث العامة والخطابات السياسية وحتى الأخبار المتداولة أثناء وقوع الصراعات المسلحة والنزاعات بين الفصائل المتحاربة أو الدول. شخصياً أشك في أن البعض ممن يحشر مفردة الإنسانية يعني الجوانب والدلالات التي تستوجب استخدامها والسياقات التي تناسب قولها.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال عن الإنسانية التي يعنيها الساسة بخطاباتهم، ولماذا تستخدم حقوق الإنسان كعصا غليظة تلّوح بها للغير دول عظمى معروفة وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية كلما شعر ساستها بتعرض مصالحها، أو مواقفها أو وضع حلفائها للأخطار أو التهديدات.
هل الإنسان الذي أجمع عليه كل الفلاسفة بصفته المقياس الحقيقي للأشياء، بمعنى الإنسان أولاً ثم يأتي بعده بقية المخلوقات والأشياء، هل هو المعني بأحاديثهم والدفاع عن حقوقه الواردة في بروتوكولاتهم؟ لو كان الأمر كذلك لبارك العالم، بل شعوب الأرض قاطبة ذلك السعي ودعمت المنظمات النزيهة التي تدافع عن حقوق الضعفاء تلك الوقفة المتعاطفة. لكن فضحت الأحداث المتعاقبة مواقف الغرب المُعلنة على رؤوس الأشهاد وخصوصاً حين يتم التصويت في مجلس أمنهم كم هم ماكرون في استخداماتهم لتلك المفردة المطاطة.
في الواقع إنهم يعنون إنسانهم (هم) وهو الذي يفترض صيانة حقوقه والدفاع عنها وإنسان (غيرهم) مجرّد سلاح يستخدمونه ضد الغير وقتما يريدون ثم يقومون بسحق ذات الإنسان المختلف بكل الأسلحة المحرمة فيما لو خُيّل إليهم بأنه يُشكّل خطراً على مصالحهم. أطفالهم (هم) من يستحق العناية والرعاية والاهتمام وأطفال غيرهم لا يرف لهم جفن وهم يرون أشلاءهم تتبخر بفعل القنابل الحارقة والعنقودية.
لا أعني حكاية الكيل بمكيالين كما يعتقد البعض، بل الأمر أبعد من ذلك بكثير فعنصريتهم المقيتة إحدى تلك الأسباب وعدم قبولهم باختلاف الدين والعرق والموقع الجغرافي عناصر أخرى ثم نظرة التعالي الجوفاء الناتجة عن جهلهم أو تجاهلهم بتاريخ الحضارات والأمم المؤثرة في مسيرة الإنسان تجعلهم يسعون إلى قول الأكاذيب.
السؤال الذي لا أنتظر الإجابة عليه منهم أو من أحد أبواقهم هو: هل الإنسان وحقوقه التي نص عليها بروتوكول حقوق الإنسان تختلف حسب العرق أو الموقع الجغرافي أو الدين؟ ها هي المبعوثة الخاصة السابقة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين النجمة الأمريكية أنجلينا جولي تقول عن ادعاء حقوق الإنسان «الحقيقة القبيحة لجزء كبير من العالم ندركها مع الوقت.. سوف ندين هؤلاء بجريمة، ولن ندين أولئك، إنها الكذبة الكبيرة للعالم، والتي تتضح أكثر مع مرور الوقت».
الإنسانية الحقة تتضح في تعاطف الشعوب الضعيفة بعضها مع بعض دون تجبّر أو طغيان لأنها قد ذاقت ويلات المستعمر ناهب ثروات البلدان ومُستعبد شعوبها. لا يشعر بمعاناة الفقير على سبيل المثال إلا فقير مثله وكذلك المضطهد ومسلوب الحقوق والمشرّد إلى آخر تلك الأوجاع. فلا يُنتظَر من الطاغية المتجبر أن يشعر بإنسانية الضعفاء حتى ولو ردد تلك المفردة ألف مرّة.