د. محمد بن أحمد غروي
تسلمت لاوس رئاسة الرابطة من جارتها إندونيسيا لقيادة آسيان خلال عام 2024، في توقيت مضطرب ليس في منطقة الأرخبيل فحسب، بل حتى دوليًا، وهو ما ألقى بالظلال على جنوب شرق آسيا التي أصبحت جزءًا من معادلة الصراع بين القوى العالمية الكبرى.
تسعى لاوس لإعادة التموضع وتقديم نفسها وسياستها للمجتمع الدولي من خلال رئاستها لرابطة آسيان، فهي صوت جنوب شرق آسيا الحالي الذي سيصيغ علاقة الرابطة مع دول العالم هذا العام، على الرغم من حالة التشاؤم السائدة تجاه دورها المقبل لمحدودية تأثيرها في الملفات الحاسمة في المنطقة فضلًا عن ضعف حضورها سياسيًا ودبلوماسيًا في أزمات الأرخبيل.
الدولة الحبيسة تُعد إحدى أصغر دول رابطة آسيان، التي جعلت من الزراعة مورد اقتصادها، كما سبق وأن حظيت برئاسة الرابطة الإقليمية مرتين منذ حصولها على العضوية في عام 1997، والتي كانت لها الولاية الأولى كرئيس للآسيان عام 2004 تلتها ولاية ثانية عام 2016.
هناك تعهدات من قبل رئيس الوزراء الحالي بأن يستكمل إرث إندونيسيا في ترسيخ وبناء المزيد من التواصل والمرونة لدول رابطة آسيان بـ «تحسين الاتصال والمرونة» كشعار المرحلة القادمة، ومواصلة الجهود المجتمعية بين الآسيان، واغتنام الفرص رغم التحديات والتغيرات الجيوسياسية والجغرافية والاقتصادية.
في اعتقادي، هناك إدراك جلي بأن العام الجديد يختلف بشكل أو بآخر عن سابقه، وهذا ما أكده ضمنيًا وزير خارجية لاوس، الذي يرى أن العصر الذي يعيشه العالم ودول المنطقة في الوقت الحالي هو عصر التنافس الجيوسياسي والجغرافي والاقتصادي، وأن دول آسيان ليست مستثناة من هذا الصراع التنافسي.
من المتوقع وبحسب القراءات والدراسات، أن لاوس ستركز في رئاستها على مواصلة تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين دول آسيان، وتضييق فجوة التنمية، وتعزيز التحول الرقمي، والقدرة على التكيف مع المناخ، وتنمية الصحة.
ويبقى السؤال، ما الذي ينتظر رئاسة رابطة آسيان في العام الجديد؟، ينتظرها التقدم خطوة للأمام فيما يتعلق ببحر الصين المتنازع عليه بين الرابطة وبكين، وإكمال وضع مدونة قواعد السلوك البحري التي بدأت به جاكرتا، ولم تصل به إلى اتفاق ملزم بين أطراف النزاع، إلى جانب السعي إلى حلحلة أزمة ميانمار التي دخلت عامها الثالث من دون إحراز أي تقدم يذكر والالتزام باتفاق النقاط الخمس الذي توصلت إليه الرابطة - إبان رئاسة بروناي - ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحرز لاوس تقدمًا لفك معضلة ميانمار لوحدها، كما يتوجب على لاوس موازنة علاقتها المتجذرة بين دول آسيان وبين الصين الأقرب حدودًا وعلاقة واقتصادًا وبين الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يُعد ذلك الأمر من أهم القضايا الملحة خلال الرئاسة الحالية، وهو بمثابة التحدي الأكبر لها، خاصة مع تكبيلها بالقروض الصينية، والديون التي تتجاوز ناتجها المحلي.
قد لا تُسفر الرئاسة المقبلة عن قفزة في حل الأزمات التي تواجه دول رابطة آسيان خلال السنوات الأخيرة، نظرًا للإطار الضيق الذي تنطلق منه فينتيان، لكن من الممكن أن تكون لاوس جسرًا بين بوتراجايا الرئيس القادم وجاكرتا التي أمسكت بزمام المبادرات العام الماضي مستفيدة من خبراتهما السياسية والدبلوماسية.