محمد سليمان العنقري
انتهى العام الماضي بارتفاع جيد في مؤشر السوق الرئيسي بما يتجاوز 14 بالمائة مع قفزات جيدة في العديد من الشركات وبعضها حقق أكثر من ضعفي سعرها ارتفاعاً قياساً بأقل مستوى لها في 2023 وقد حققت 156 شركة ارتفاعاً العام الماضي مقابل انخفاض لخمسين شركة لكن حجم التداولات تراجع بنسبة 22 بالمائة رغم ارتفاع عدد الصفقات وشهد عدد الأسهم المتداولة تراجعاً طفيفاً جداً ووصل لحوالي 83 مليار سهم بينما أقفل السوق على قيمة سوقية تتجاوز الـ 11 تريليون ريال وبالمجمل كان أداء السوق جيداً في ظل ظروف اقتصادية عالمية يشوبها عدم اليقين بالإضافة للأحداث الجيوسياسية التي زادت من الضغط على الاقتصاديات الكبرى عموماً كما كانت أسعار النفط متقلبة جداً وعكس الحالة الاقتصادية الدولية حيث ساهمت سياسات البنوك المركزية للاقتصادات الكبرى وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي بهذا الضغط من خلال التشديد النقدي والرفع المتواصل لأسعار الفائدة التي وصلت إلى 5،5 بالمائة.
لكن السؤال الدائم في الأسواق هو ماذا وليس لماذا فالمتعاملون يشترون الأسهم للمستقبل ويبحثون قبل قراراتهم عن ماذا سيحدث وسوق الأسهم السعودي الذي يعد من بين الأسواق الناشئة بحسب تصنيف مورجان ستانلي الذي ضمه لمؤشره للأسواق الناشئة قبل أربعة أعوام وكذلك فوتسي راسل فإنه يعد من الأفضل أداءً بينها العام الماضي ومتوقع له استمرار الإيجابية هذا العام لكن لابد من النظر إلى اهم العوامل التي تحدد ملامح المرحلة القادمة، وبدايةً فإن الميزانية العامة للدولة التي تعد توسعية ومستمرة بدعم نمو الاقتصاد والتي سيصل حجم الإنفاق فيها إلى 1251 مليار ريال فهي ستكون من بين أهم عوامل دعم نمو الاقتصاد عامةً والقطاع غير النفطي خاصةً وذلك تماشياً مع أهداف الرؤية بأن يمثل القطاع الخاص 65 بالمائة من الناتج الأجمالي عام 2030 كما أن استمرار استراتيجة الاستثمار حسب مستهدفاتها والتي تقودها استثمارات ضخمة عبر صندوق الاستثمارات العامة وأيضاً العشرات من الشركات الكبرى ضمن برنامج شريك بالإضافة للإنفاق العام وكذلك دور المستهلك المهم جميعها تعد عوامل داعمة لزيادة النشاط الاقتصادي وبالتالي تحسن أداء القطاعات والشركات المدرجة في السوق المالية ويضاف لذلك الفعاليات التي فازت المملكة باستضافتها مثل إكسبو الرياض 2030 وأيضاً بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2034 وقبل ذلك بطولة أمم آسيا في 2027 بالإضافة للعديد من الفعاليات الرياضية وغيرها من الأنشطة السياحية وأيضاً الجولات المستمرة لجذب الاستثمارات لقطاعات صناعية على رأسها التعدين كما أن دخول مئات الآلاف من الشباب لسوق العمل خلال السنوات الخمس الماضية سيعزز من دور المستهلك في نمو العديد من القطاعات الاقتصادية ويرفع الطلب الذاتي بالقطاع الخاص بهامش واسع من التاثير بعيداً عن الإنفاق العام التشغيلي والاستثماري والذي عادة ما يشكل المؤثر الأكبر بالطلب المحلي كما أن زيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد بتحفيز من نمو الطلب ستعزز من ارتفاع عوائد الشركات الوطنية وتشجعها على مزيد من الاستثمارات فكل ذلك قد يفسر سبب التوقعات بتحقيق نمو بحوالي 4،4 بالمائة العام القادم للاقتصاد، أما العوامل الخارجية فهي تتمثل بعدة جوانب أولها حركة أسعار النفط والتي يبدو أنها ستبقى بمستوى جيد وقد يكون فوق 80 دولاراً بالمتوسط، ومن أهمها أيضاً ما أعلنه الفيدرالي الأمريكي من نيته العودة لخفض سعر الفائدةالعام الحالي بالإضافة إلى أنه رغم وجود التحديات الاقتصادية الدولية إلا أن اللغة التي تصف الحالة من مختلف الأطياف الرسمية والمختصة بدأت تلين حدتها وتميل أكثر إلى أن الأسوأ قد ذهب يضاف لذلك توجه الاقتصادات الكبرى لدعم النمو فيها عبر سياسات مالية ونقدية داعمة لتحفيز الاقتصاد.
أما المخاوف والتحديات التي تمثل ضغطاً على الاقتصاد العالمي فهي تتمثل بالأحداث الجيوسياسية بالعالم والمخاوف من توسعها بالإضافة للتحذيرات من ارتفاع الدين العالمي لحوالي 300 تريليون دولار والخوف من وقوع أزمة مالية جديدة بالإضافة لترقب نتائج خطط الصين لتنشيط اقتصادها وأيضاً ما ستتمخض عنه السنة الأخيرة الحالية من عمر فترة الرئيس بايدن وما سيتخذه من إجراءات تدعم موقفه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
رغم أن الحذر يجب أن لا يغيب عن المستثمر فظهور أي حدث أساسي قد يغير أو يعطل توجه الأسواق لكن السوق السعودية واعدة بموجب المعطيات الحالية محلياً ودولياً وفيها فرص جيدة والزخم الاقتصادي مازال في أفضل حالاته وهناك ازدياد بمعدلات التداول وطلب الإدراج للشركات في السوقين الرئيسي ونمو وحجم السيولة بالاقتصاد جيد والرغبة بالاستثمار تزداد مع كل فرصة تظهر كما أن التوسع بقطاعات جديدة ومعدلات نموها الممتازة يعد أيضاًاشارة إلى أن شهية الاستثمار مرتفعة محلياً وكذلك من المستثمر الأجنبي ويدعم كل ذلك أيضاً القرارات والأنظمة التي تصدر تباعاً وتحفز مختلف القطاعات مع الشراكات الدولية الواسعة بالإضافة للخطط الاستراتيجية الكبرى لربط اقتصاد المملكة بالعالم بتطور مختلف من خلال مبادرة الممرات الخضراء الذي سيربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا فهذا الكم الهائل من المشاريع والأنشطة سيبدأ أثره تباعاً بالظهور بالسنوات القادمة بينما ستستبق الأسواق النتائج دائماً كما هو معروف.