م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- قياس المسافة يكون بالأمتار والكيلو مترات لو اتخذنا الأطوال معياراً.. ويمكن قياسها بالساعات والأيام والسنوات لو اتخذنا الزمان معياراً.. ويمكن قياسها بالأحاسيس والمشاعر لو اتخذنا العلاقات الإنسانية معياراً.. ويمكن قياسها بالمصالح والأهواء والرغبات لو اتخذنا الصلات الشخصية معياراً، ويمكن قياسها بالظروف والأحداث وتقلبات الأوضاع لو اتخذنا تأثير المحيط معياراً، ويمكن قياسها بالنظر أو بالعقل أو بالقلب لو اتخذنا المدارك الشخصية معياراً.
2- في عالم المسافات يمكن أن تكون قريباً وبعيداً في آن واحد، فهناك من هو قريب لكنه بعيد المنال، أو بعيد لكنه قريب في الواقع لا الخيال، أو يكون قريباً جداً فلا يُرى أو بعيداً جداً فلا يُرى، أو يمكن أن يكون في مكان حيث لا مسافة تقاس فهو بعيد قريب لأنه رغم بعد مكانه إلا أن مكالمة هاتفية تفي بغرض الاتصال به.. عالم المسافات ليس مثل عالم القياسات، فالقياس يُدرك عقلياً أما المسافات فتُدرك حسياً.
3- المسافات تقاس بالأطوال وبالأزمان وبالأحجام وبالأوزان، كما يمكن أن تقاس بالمناصب والثراء والفقر، أو بالأحاسيس والمشاعر.. ويوجهها الانتماء المناطقي أو القبلي أو المذهبي أو الفكري أو حتى تشجيع نادٍ رياضي، لذلك فهي قياسات متحركة متغيرة في كل حالاتها.. بل إن المسافة ذاتها تتحول إلى وحدة قياس، فكم من قريب منك في جسده وهو بعيد عنك في فكره وثقافته ومفاهيمه وقيمة وأخلاقه، وكم من بعيد عنك قريبٌ منك في روحه وطبعه ووده.. بل إن هناك من هو لصيق بك مهما بَعُد عنك حيث وحدة قياس بعده عنك طولها «صفر».
4- القريب منك أو البعيد عنك يُمْكِنك تحديد المسافة بينكما وفق أي من المعايير المعتبرة للقياس، لكن الشخص البعيد القريب، كيف يمكن تحديد المسافة معه، وكيف يكون التعامل معه؟ أيضاً من يحدد بعد المسافة أو قربها معه، هل هو أنت لو بادرت أم هو لو بادر، وماذا لو لم يبادر أحدكما؟
5- هل القريب البعيد هو الشخص الذي أنت غاضب منه لكن له غلا في فؤادك ومكانة عالية في نفسك، أم هو الشخص المحايد الذي ليس بينك وبينه علاقة كَوَّنت مشاعر أو مصالح؟
6- جمع الأمثال الشعبية في كل المجتمعات على أن الحبيب قريب مهما بَعُد مكانه، وأن كُلفة الذهاب إليه قليلة مهما كان الطريق إليه بعيداً أو وعراً.
7- هل يحق في عالم المسافات القول «بأن البعيد عن العين بعيد عن القلب»؟
8- قال: أشياء كثيرة فرقتنا لم تكن من بينها المسافة.