د. إبراهيم بن جلال فضلون
شهدت أشهر 2023 الاثني عشر الحزينة عدداً من الانتكاسات للولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الديمقراطيات الكبرى على مسرح السياسة الدولية، ورغم ذلك لم تكن بالنسبة لهم كارثية، ومع هذا فهي تشير إلى تحول في ميزان القوى بعيداً عن القيم الغربية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، وسادت لسنوات، والتي تستقبل انتخاباتها في عام 2024 بإجمالي ناخبين أكثر من 160 مليون أميركي، ولكون عامنا الجديد عاماً تاريخياً لاستضافته عدداً قياسياً من الانتخابات، بنسبة مليارَي ناخب في 50 دولة، هُم أكثر من 50 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في (روسيا والهند والمملكة المتحدة وتايوان وإندونيسيا وجنوب إفريقيا)، كما ستُجرى انتخابات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في منتصف طريق 2024، وإجراء انتخابات البرلمان الأوروبي في الفترة من 6 إلى 9 يونيو. بل كان 23 عام فيضانات في اليونان وعاصفة دانيال تضرب ليبيا، ثُم زلزال سوريا والمغرب، وحرائق كندا وإضراب هوليوود والمدينة السياحية التي تحولت إلى رماد في هاواي بجزيرة ماوي، وانقلابات إفريقية لانعدام الاستقرار وطرد الغربيين كفرنسا من النيجر والغابون وقبلها مالي وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى في 2022، ونزوح 114 مليون نازح من حروب أوكرانيا والسودان وبورما وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وأزمات أفغانستان والصومال الإنسانية، و120قتيلاً في قاعة زفاف بنينوى العراقية وهجوم أذربيجان على قرة باغ الانفصالية الأرمينية والتي تتنازع عليها باكو ويريفان منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكن الكوميديا السياسية كانت حاضرة بمحاكمة ترامب وفشل بايدن في إدارة الملف الفلسطيني الذي كشف طوفان الأقصى كافة الأقنعة العالمية وأنظمتها المتواطئة مع اليهود على أكثر من مليوني غزاوي بطل.
وبعيداً عن الانتخابات، ووسط الركود والتضخم العالمي للاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة عدة مرات، ستُدعى كل من مصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات للانضمام كأعضاء كاملي العضوية في تجمع بريكس الاقتصادي بدءاً من الأول من يناير 2024، ضرباً للأخضر المهيمن على قوة الأسواق.. وتفريغ النفط من الناقلة صافر.. وعلى العديد من الجبهات، تهب الرياح بما لا تشتهي المصالح الأمريكية الأوربية التي مُنيت بانتكاسات، هي في الصالح العربي حال استغلالها، ولاسيما أن غالبية المسلمين وغيرهم حول العالم، يعتبرون أميركا وبريطانيا متواطئتين في تدمير غزة؛ وتضامنهما ودعم دولة الاحتلال حتى خسرا أصواتهما بالأمم المتحدة التي ماتت قوانينها على أرض غزة. بينما زاد التأييد الروسي في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر بطوفان الأقصى وبعد قصف مدينة حلب في سوريا، وامتداد الحرب إلى جنوب البحر الأحمر، وتهديد الحوثيين المدعومين من إيران للملاحة البحرية واستهداف السفن الإسرائيلية واضطرار شركات الشحن الكبرى في العالم إلى تحويل مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الطويل، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بل وطورت إيران سلاحها النووي سراً، رغم الجهود الغربية لعزلها، لتأكل بمخالبها العسكرية (العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة)، عبر وكلاء لها، ليزيد تمددها بتحالف أوثق مع روسيا، لتنتقل الأنظار بعد اعتبار دول القارة الأوربية العجوز تهديداً عدائياً، من حرب غزة من خلال وضع نفسها في الشرق الأوسط كمدافع عن القضية الفلسطينية التي لا تنتهي إلا بحل واحد معلوم للعلن لكنه مبهم لا يرونه اليهود والغرب وسيتطلب في النهاية تنازلات وتضحيات مؤلمة تئن منها إسرائيل التي كانت تعتبر أقوي جيش بالمنطقة ليكون قوة بلا قوة، والآن وأخيرًا، حظيت (القضية الفلسطينية) باهتمام العالم.