د. محمد بن إبراهيم الملحم
لا شك أن الابتكارات الجديدة لها قيمة كبيرة جداً في حياتنا وفي قمتها تقنية المعلومات وما أنجزته من منتجات رائعة سهلت حياتنا الشخصية ومكان العمل وممارساته، وقد غدت أجهزة الحاسب الآلي والإنترنت اليوم شيئاً أساسياً في مكتب كل موظف ولله الحمد، ولم يعد التخلي عن العمل الورقي شيئاً مخيفاً كما كان بالأمس، وتعتمد كثير من المؤسسات الخاصة والحكومية كذلك على ما تخزنه في بطون الأجهزة من معلومات مالية مهمة وحساسة تمثِّل قوام عملها وأساس وجودها، ولكنها لم تصل إلى هذه الثقة إلا بعد مدة من التجريب والتأكد من الأنظمة والتجهيزات التي تستخدمها وبمدى قوة وقدرة هذه المكونات مما قوّى وأرسى ثقة المؤسسات في وضع أغلى ما تملك في هذه الحلول التقنية، وفي المقابل فإن هناك تطبيقات أخرى تمس البشر وحياتهم وعلاقتهم بالمؤسسات تضعها هذه المؤسسات لتسهيل عملها أيضاً، وتقوم المؤسسات الناضجة والمحترمة بالتأكد أيضاً من جودة هذه الحلول والتقنيات وإمكانياتها حتى لا «تتفشل» أمام عملائها، خاصة بالنسبة تلك المؤسسات الخاصة والتي تمثِّل علاقتها بعملائها مصدر دخلها الأساس فهي لا توفر أي جهد في أن يكون تطبيقها أو برنامجها الذي يستخدمه عملاؤها «مشرّفاً» ومتسماً بالجودة النوعية الشاملة TQM والتي أبسط تعريفاتها أنها إجراء العمل الصحيح بشكل صحيح من أول مرة وكل مرة، وكذلك تحرص الجهات الحكومية التي تستخدم برامج وتطبيقات لعملائها أو المواطنين الذين تقدم لهم خدماتها على أن تكون هذه البرامج والتطبيقات دقيقة وجيدة ولا تسبب أية «آلام» لها خاصة إذا كانت تلك العمليات مرتبطة بالمال أو الجوانب القانونية المحرجة، ولكن في المقابل فإن هناك حالات تكون فيها مثل هذه الحلول التقنية وبالاً على العملاء سواء كان مقدمها قطاعاً خاصاً أو عاماً، وهي تلك الحالات التي تتخلّص فيها المنظمة من أعباء عمل وتخف عنها المسؤولية ومصاريف التشغيل (أعداد الموظفين مثلاً) ولكن في نفس الوقت لا تكون العمليات المرتبطة بهذا التطبيق مما يمس المال أو الأنظمة. وأقول إنها تكون وبالاً على مستخدميها لما يكون فيها من التسرّع وقلة الاهتمام فتلقيها المؤسسة في حيز التطبيق قبل أن تتأكد من صحتها أو دقتها أو سلاستها أو وضوحها أو قوتها وكل واحدة من هذه الجوانب كافية لجلب الألم للمستخدم ولكن أحياناً تجتمع اثنتان أو ثلاث أو حتى أربع منها مع الأسف. والواقع أني لا أحتاج أن أقنعك سدي القارئ بادعاءاتي هذه لأني أعلم علم اليقين أن كل واحد (إلى حد بعيد) عاش تجربة من هذا النوع.
وعندما يكون الأمر مرتبطاً بجوانب لا تجر ضرراً على المستخدم مثل رفع شكوى أو مقترح أو تقديم طلب فإن قصور النظام الإلكتروني ومشكلاته يمكن تقبلها وانتظار حلها مع مرور الأيام (أو السنوات حتى) ولكن عندما يتعلق الأمر بحقوق المستخدم ويترتب عليه إضرار في مستحقاته فإنه لا يجوز التسرّع في مثل تلك الأنظمة أو الإصرار عليها، وعلى الجهة أن تتقبل الأمر بصدر رحب وتسحب هذا التطبيق من حيز التنفيذ لتعمل عليه مرة أخرى وتطوره وتحسنه ثم تعيده للتطبيق بعد تجريب متعدد وفي نفس الظروف للتأكد من أنه يعمل بشكل جيد. ومن أمثلة ذلك الدوام الإلكتروني الذي بادرت إليه وزارة التعليم مؤخراً ولكنه مع الأسف يواجه عدة مشكلات تجعل من حياة الموظف اليومية معاناة حقيقية، فهناك من لا يملك نوعيات الأجهزة التي فرضها هذا النظام! مما يعني تكلفة مالية على هذا الموظف (البسيط) بدون وجه حق، وهناك من لم يحظ بما يكفي من التدريب للاستخدام الأمثل (هل عمل تدريب!) وهناك في بعض المناطق ضعف في الإنترنت يجعل من تسجيل الخروج في وقت واحد لعدد كبير من الناس عاملاً ضاغطاً على اتصال النت بتلك الإدارة مما يبطئ العملية ويؤخّر الإجراء على حساب الموظف وعائلته أو أطفاله الذين ينتظرون توصيله، هذا ما وردني فقط وأجزم أن من عايشوا الموضوع ذاته لديهم ما يقولونه أكثر.
شخصياً لست ضد الدوام الإلكتروني، بل إني سبقت مقام الوزارة الكريم قبل خمس عشرة سنة تقريباً عندما كنت مديراً عاماً للتعليم وكنت أول من أدخل الدوام الآلي بجهاز البصمة، بل استخدمت ما هو أفضل من البصمة اليدوية وهو جهاز بصمة اليد الكاملة Hand bunch لدقتها العالية وسرعتها ولم أطبق ذلك إلا بعد دراسة متأنية وعميقة ثم تجربة وتأكد من جودة النظام والذي أثبت جدارته لسنوات وتبعني فيه غيري لاحقاً وكانت تجربة ناجحة منذ بدايتها ولله الحمد، ولكن ما أدعو إليه هنا هو عدم إهمال قيمة العاملين وأخذ رأيهم والتعامل مع معاناتهم ضمن سياسة «سوف يتصرفون بطريقة أو بأخرى» بينما تكون المؤسسة هي الرابح الوحيد، بعد هذا يجب أن لا نتساءل لماذا لا توجد لدى موظفينا روح الولاء الوظيفي والانتماء لمنظمتهم ولمهنتهم؟!