أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: ربما انتهت دراساتي العروضية التي لا تزال قلقةً إلى القول بأن الزحافات والعلل الجارية مجرى الزحاف لا وجود لها إلا في الكتابة والقراءة، وأن اللحن يعيد التفاعيل إلى أصولها دون زحاف؛ ونتيجة لهذا التغير فقد ظهرت في العصر العباسي والأندلسي أشكال غنائية جديدة كان من أهمها شكل شبيه بالنوتة ظهر في بلاط بني العباس، وكان ممهداً للنوتة الأندلسية التي طورها (زرياب) تلميذ (إسحاق الموصلي)؛ وكذلك ظهر الموشح الأندلسي.. وإلى جانب الأساليب الفنية تلك نمت أساليب غنائية ذات صفة شعبية مثل: القوما، والدوبيت، والكان كان».. انظر (المجلة العربية للعلوم الإنسانية ص78 - 79 ).. وقال: «ندرك مما سبق أن الشعر والغناء الجاهليين كانا متلاحمييين لا ينفصل وزناهما عن بعض، وأما في العصور الإسلامية فقد اتجه المغنون إلى فصل الضرب الموسيقي عن وزن الشعر؛ ويعود ذلك إلى اتصال المغنين العرب بغناء الشعوب الأخرى وتأثرهم به. قال أبو عبدالرحمن: غناء الشعوب الأخرى أعاد التفعيلة إلى أصلها؛ فدل ذلك على أن اللحن العربي الذي نظم عليه الشاعر قائم على تمام التفعيلة؛ ومن المحتمل أيضاً أن يكون أولئك المغنون الحذاق يحفظون اللحن العربي بالتوارث الشفوي؛ فأعادوا الشعر إلى أصله غناءً؛ ويكون تجديدهم بإدخال حلىً نغمية لا تغير الوزن العام للحن.. ثم قال (عبدالحميد حمام): ((ويجدر التذكر بأن (طويساً) كان أول من غنى في المدينة غناءً يدخل في الإيقاع.. أحال إلى الأغاني 3/29 ط دار الثقافة؛ وقد أسبغ شرف إدخال الإيقاع للغناء العربي لكل من (عزة الميلاء)، و(سائب خاثر)، أحال إلى كتاب (تاريخ الموسيقى العربية) لـ (فارمر) 65 - 66.. ومن المعلوم أن بعض مغنيي صدر الإسلام والعصر الأموي: جابوا الأمصار بحثاً عن الجديد، واقتبسوا ألحاناً وإيقاعات ضمنوها غناءهم بالعربية ومنهم (ابن مسجح) الذي يقول [الأجمل قال] فيه صاحب الأغاني: «ثم رحل إلى الشام، وأخذ ألحان الروم والبريطية [وهي مصحفة من البزنطية نسبة إلى بزنطية؛ وهي مدينة القسطنطينية قبل أن تبنى ويراد بالبزنطية قوم من الروم الشرقييين عرفوا بهذا الاسم منذ عهد قسطنطين الكبير إلى سقوط القسطنطينية بيد الترك، وبزنطة اسم مؤسس المدينة]، والأسطوخوسية[يراد بهم قوم آخرون من أسطوخوس؛ وهي جزيرة في جنوبي فرنسا كان أهلها معروفين بالقصف والغناء والأنس كما هم عليه إلى هذا العهد وكان سكانها خليطاً من الوم واليونانيين]، وانقلب إلى فارس؛ فأخذ بها غناءً كثيراً، وتعلم الضرب.. ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم [الأفصح: الأنغام]، وألقى منها ما استقبحه من النبرات والنغم التي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب، وغنى على هذا المذهب أول من أثبت ذلك ولحنه وتبعه الناس بعده.. (أحال إلى الأغاني 3-271).. وبعد؛ فلقد كانت هذه المقدمة ضرورية للتأكيد على أن الأوزان العربية الجاهلية كانت تتوافق مع وزن الشعر العربي، بينما اختلف الضرب الموسيقي بعد الإسلام عن وزن الشعر؛ وعليه فإن الشعر الجاهلي يختزن ولاشك الإيقاعات العربية الجاهلية، ولقد حاول الخليل استنباطها، ووضعها في علم يميزها ألا وهو (علم العروض)؛ ولكن اعتقادنا أن الوسيلة أعيت الخليل؛ إذ لم تمكنه المقاطع اللفظية من توضيح الأوزان وهي (أي المقاطع اللفظية) كانت الوسيلة الوحيدة التي توافرت لديه، ومنها ابتكر التفعيلات.. أما اليوم فبالإمكان التوكؤ على الكتابة الموسيقية لإعادة اكتشاف الأوزان الجاهلية» [المجلة العربية للعلوم الإنسانية ص80].
قال أبو عبدالرحمن: والألحان الشعبية في نجد التي يغنى عليها شعرها العامي لم تضع كما ضاعت ألحان الشعر الجاهلي.. وكونها أساساً لما استجد من أوزان الشعر العامي: ليس محل إشكال؛ وإنما يحتاج إلى البرهان على أن الشعر العربي الجاهلي نشأ على أساس الألحان، وأن هذه النشأة نموذجها شعرنا العامي وألحانه؛ وأما عبقرية الشعر العامي في مصر مدينة الإبداع فهي غالبة غير مغلوبة؛ وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) -عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين-