سليم السوطاني
تمرُّ بالإنسان صدمات موجعة، ترهق قلبه وروحه وعقله، وتهزُّ وعيه! ومن أعظمها، صدمة الحزن نتيجة فقد مَن يحب، سواء بانقطاع علاقة، بسبب ما وعلى عكس ما كان يتوقع، أم باختطاف الموت أحد أحبابه فيكون فقداً أبدياً.
يتدرب المرء طوال حياته، ويهيئ نفسه على صدمة الفقدان؛ وخصوصًا عندما ينضج وعيه ويؤمن بحقيقة أن الأشياء التي نحبها، مهما بلغ حبنا لها، قابلة للفناء، ولا شيء يخلد... لكن عندما يداهمه الفقد على حين غرة ينسى ما درب نفسه عليه، وتصبح الحقيقة التي كان يؤمن بها مرفوضة وبأي شكل من الأشكال، فَتَسْوَدُّ الدنيا بعينيه، وتجتاحه مشاعر أليمة لحظة الإصابة بالحزن العميق والفقد العظيم، فتنطلق وقتها أقوى العبارات وأكثرها عمقًا، التي تدل على جزع وأسى وألم النفس المصابة، مثل: «انكسر ظهري»، «ما بقي لي أحد في الحياة»، «يا ليت الموت أخذني بدلاً منه»، «كيف أعيش من دونه»؟ وأمثال ذلك كثير من العبارات التي يطلقها المكلوم، وتسيل أسى وحزنًا ودمع العينين يصاحب عباراته الغارقة في الجزع، الذي يجعل المستمعين إليه يعجزون عن تهوين فجيعته عليه، وتجف الألسنة، وتقف الكلمات خائرة القوى أمام عبارات الأسى التي تنطلق من أقصى قلوب الحزانى. يصمت الجميع أمام مثل هذه اللحظات العنيفة، وتنزف القلوب تضامنًا مع المفجوع.. وكل من يستمع ويعيش هذه اللحظات يشعر بالخوف من المصير الذي سوف يلحقه، عندما يعيش مشاعر اللحظة نفسها في يوم ما، عندما يرحل أحد أحبابه!
مهما حاول الإنسان مقاومة لحظات الفقد، والتظاهر بالصبر أمام كارثة الرحيل الأبدي، فإنه في داخله يحترق، ونياط قلبه تتمزق، مهما تظاهر بالقوة والعزم على تحمل جبل الحزن الرابض على صدره.
الحزنُ ليس شيئًا سهلًا تحمله، وإذا هبّت ريحه تتبين هشاشة الإنسان من داخله، مهما بلغت عظمته وقسوة قلبه... وسيسقط سريعًا، ويتهاوى منهارًا، في لحظة أي فقد، على رغم تدربه والتفكير في هذه اللحظة، ويفشل في التعاطي مع حزن الفقد، وربما تمر سنوات حتى يتعافى من الأشياء التي علقت بقلبه من جراء صدمة الفقد.