جانبي فروقة
كانت وكالة ناسا الأمريكية هي أول من طور فكرة التوائم الرقمية لمهمات استكشاف الفضاء وبعد ذلك تطورت الفكرة بتطور أدوات التكنولوجيا وجمع البيانات ومعالجتها لتصير حجر زاوية في الصناعة 4.0 (الثورة الصناعية الرابعة التي تركز على الأتمتة والبيانات والتحول للمصانع الذكية التي تستخدم الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والواقع المعزز).
نشرت ماكينزي مؤخراً تقريراً عن التوأم الرقمي، حيث بدأت بتساؤل جميل عن ماذا ستفعل إذا كان لديك نسخة منك؟ مطابقة لك في كل شيء ومحصنة من الإحراج والألم والإصابة، فحتماً حينها ستكون قادراً على اتخاذ قرارات بنفسك بثقة أكبر بحيث تكون قرارات ناجحة، والتوأم الرقمي هو نسخة طبق الأصل افتراضية من كائن مادي أو شخص أو عملية يمكن استخدامها لمحاكاة هذه العملية أو الشخص لفهم كيفية عملها في الحياة الواقعية بشكل أفضل وهناك توائم مختلفة من التوائم الرقمية ومنها توأم المنتج وهو تمثيل للمنتج بكل مراحل دورة حياته والمثال الواضح على ذلك هو خرائط غوغل، حيث أنها تعتبر توأم رقمي لسطح الأرض حيث يوفر ويربط تطبيق غوغل بيانات حركة المرور الفعلية ليساعدنا في تحسين تنقلاتنا. وتمتد التوائم الرقمية إلى صناعة محركات الطائرات وإلى البنية التحتية لمدن بأكملها وتساعدنا في تحسين إدارة الكوارث وإلى المصانع المختلفة حيث يتم استخدام التوائم الرقمية لمحاكاة ظروف العالم الحقيقي وتحليلها والتنبؤ بها بناء على توائمها الافتراضية وخير مثال على ذلك ما قامت به شركة سبيس إكس SpaceX التي أسسها إيلون ماسك حيث طورت توأم رقمي لمركبة كبسولة دراغون Dragon التابعة لها يتيح للمشغلين مراقبة وضبط المسارات والأحمال وأنظمة الدفع بهدف تحقيق أقصى قدر من السلامة والأمان أثناء النقل، واليوم ما تحتاجه المؤسسات هو ضمان الوصول للنضوج الرقمي الذي يعتمد على إنشاء وتأمين صيانة دورية لبنية تحتية للبيانات عالية الجودة توفر بيانات موثوقة من كل بيئات الاختبار والبيئات الحية. وأشار تقرير ماكنزي إلى أهمية قيمة الوقت والتي توفرها الشركات باستخدام التوائم الرقمية لضمان سرعة وصول المنتجات إلى الأسواق حيث أشار التقرير أيضاً إلى أن بعض الشركات شهدت زيادة في الإيرادات وصلت إلى 10 % من خلال استخدام التوائم الرقمية لعملائها حيث يتفاعل هولاء العملاء مع منتجات الشركة وينغمسون في تجربتها وعلى سبيل المثال ما قامت به شركة دايملر بتطوير توأم للعملاء يسمح للعملاء باختبار قيادة السيارة دون الجلوس خلف عجلة القيادة وتشير أيضا ماكينزي إلى أنه اليوم 70 % من المديرين التنفيذيين للتكنولوجيا في الشركات الكبيرة يستكشفون بالفعل ويستثمرون في التوائم الرقمية. ويتوقع الخبراء أن يتطور سوق الاستثمارات في التوائم الرقمية ليصل إلى 48 $ مليار دولار بحلول 2026م.
يبشرنا العلماء بمستقبل مشرق باستخدام التوائم الرقمية والتي ستطلق إمكانات وآفاق لا محدودة فعلى الصعيد الطبي سيكون التوأم الرقمي نموذج لصحة الفرد والتنبؤ بالأمراض المحتملة والعلاجات الطبية الممكنة لها وكما سيقوم التوأم الرقمي للأطباء بإجراء العمليات الجراحية عن بعد، وكما ستساعدنا التوائم الرقمية للأنظمة البيئية بالتنبؤ بآثار تغير المناخ مما سيساهم بصياغة استراتيجيات للحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي وحتى على صعيد البيع بالتجزئة والأزياء فسيقوم توأمك الرقمي بتجربة الملابس الافتراضية وستتطور تجربة التسوق وعلى صعيد التدريب والتعليم فالتوائم الرقمية ستتمكن من محاكاة بيئات معقدة لأغراض التدريب على قيادة الطائرات وإدارة المنشآت وتعزيز التعلم من خلال تجارب متعددة. وسيتم تدريب المركبات ذاتية القيادة على اختبار سيناريوهات لا حصر لها من خلال إنشاء توائم رقمية لهذه السيناريوهات مما سيضمن تطوير أنظمة قوية وآمنة وعلى صعيد الزراعة سيتم استخدام التوائم الرقمية التي ستسمح بزراعات دقيقة تزيد من إنتاجية المحاصيل مع تقليل الأثر البيئي.
من أكبر التحديات التي تواجهنا اليوم ونحو نصنع هذا العالم المزدوج الرقمي الشجاع من خلال تطوير التوائم الرقمية هو الحفاظ على الخصوصية وأمن البيانات وأخلاقيات النسخ الرقمي والتي تتطلب تشريعات وأنظمة متطورة تحمينا من الهاكرز والقراصنة كي لا يتحول توأمنا الرقمي إلى قرين شرير يتسلط على مستقبلنا.
والواضح أن الفارق بين عالمنا المادي والرقمي يتضاءل مع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمؤكد أن المستقبل له توأم رقمي.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية