محمد بن عبدالله آل شملان
غيَّب الموت مؤخراً رائداً من رواد العمل التربوي والتعليمي في محافظة وادي الدواسر خلال مراحل مبكرة من تأسيس التعليم فيها، وكان من رجالات الرعيل الأول عندما أصبح التعليم في وادي الدواسر نظامياً، وهو الذي أتشرف بالانتساب إليه كمعلم، في عامي الخامس والعشرين.
كان الراحل مبارك بن سالم بن عثمان آل مسلم تمام ضمن كوكبة من رجالات التربية والتعليم رفيعي المستوى في العلم والخلق والمهنية، وكان في مقدمتها ناصر بن مبارك الخشيم وإسماعيل بن مسلم العثيمين ومحمد بن خزيم وعبدالله بن محمد آل بزيع وناصر بن مبارك آل ضفيان وعبدالله بن عبدالمحسن العامر وصقر بن محمد آل صقر، والعديد من الأسماء التي لمعت في سماء التعليم النظامي في تلك الحقبة من الستينيات والسبعينيات والثمانينيات الهجرية، رحم الله المتوفَّى منهم ومتّع البقية بالصحة والعمر المديد.
عمل الأستاذ مبارك آل مسلم والذي بدأ عمله معلماً في مدرسة الشرافاء عام 1375هـ وعمره حين ذاك 18عاماً، انتقل بعدها معلماً في مدرسة العقيق، ثم مدرسة علي بن أبي طالب، ثم مُديراً لابتدائية الولامين، وفي عام 1384هـ أصبح أمين عام مكتبة جهاز وزارة التعليم، ثم سكرتيراً لعمادة التفتيش الفني بالوزارة، وما بين أعوام 1389هـ حتى عام 1400هـ تولى إدارة متوسطة النويعمة، رُشح بعد ذلك مساعداً لمدير تعليم المحافظة للإدارة الفنية، ومن ثم كُلف بإدارة المتابعة، انتقل بعدها مديراً للمتابعة بتعليم المجمعة، ثم مديراً للمتابعة بتعليم وادي الدواسر مرة أخرى، وفي عام 1418هـ كُلف مفتشاً مركزياً بوزارة التعليم، عاد بعدها إلى تعليم وادي الدواسر حتى تقاعده.
نتذكر الراحل بكل وفاء وعرفان نظير مساهماته، وأولئك الرجال في إثراء المشهد التعليمي، وقد تتلمذ على أيديهم مجموعة من المعلمين والأطباء والمهندسين الذين وضعوا بدورهم تأثيرهم المضيء في مسيرة هذا الوطن.
كما أثرى الراحل مسيرة الحياة المحلية بمجموعة من المناشط والمنجزات من خلال عضويته عام 1408هـ في مجلس خدمة المجتمع والتعليم المستمر في المعهد العلمي بالمحافظة، وكذلك بالمجلس المحلي بالمحافظة عام 1424هـ، كما أسهم عام 1379هـ في إنشاء مكتبة الولامين الخاصة، وكان في صغره أحد الطلاب الذين تم اختيارهم لتقديم إحدى الفقرات أمام جلاله الملك سعود بن عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ عندما زار المحافظة عام 1373هـ. كنت أصلي معه الصلوات الخمس في مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحكم أننا نسكن في حارة واحدة كان محافظاً على الصلوات، يأتي للمسجد مبكراً ويخرج متأخراً، حريصاً على صيام النوافل وقراءة القرآن الكريم، أشاهد تعامله في المسجد وفي المجالس العامة مع الصغير والكبير، فأراه ذلك المتواضع الحكيم البشوش والشهم والكريم والنبيل والصادق.
زرته ذات يوم في مزرعته في تلك المنطقة الواقعة حالياً جنوب مخطط الخماسين، وكان يجالسه أصدقاؤه القريبون وأولاده، أستذكر أنه روى ملامح ودروساً كبيرة ومعاني جليلة لبدايات هذا الوطن خصوصاً مرحلة التعليم خلال مرحلة التأسيس وكيف تم تطويع الصعوبات والتحديات، ووضع أسس البنيان الشامخ والوطن المزدهر الذي نفاخر به اليوم بين الأمم. وكان يتحدث بكل مودة وعمق عن قادة هذا الوطن، وحرصهم على اللقاء بالمواطنين في مجالسهم المشرعة الأبواب على امتداد هذا الوطن الطيب.
أيها الفقيد: القَدَر الذي أخذك هو القدَر الذي سيأخذنا إليك، ولا نعلم متى، وليس لنا حكم نافذ على القدَر، فألف تعزية لأبنائك وأسرتك وأحبابك وطلابك، وألف أمنية بالصبر والسلوان، ومئات الدعوات بأن يتغمدك بواسع رضوانه ومغفرته، وأن يسكنك فسيح جنانه الرضاب، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، رحم الله مبارك بن سالم بن عثمان آل مسلم.