أحمد بن محمد الشريدي
ليس هنالك أصعب من الفقد ومر الرحيل ومن قساوة الخبر والفاجعة، خصوصاً إذا كان قريباً أو صديقاً صدوقاً وصاحباً ورفيق الدرب والعشرة والذكرى العطرة، ولكن هكذا هي سنَّة الله في خلقه، لا شفاعة في الموت ولا مفر منه، وكلنا راحلون؛ فهادم اللذات لا يعرف مريضاً أو سليماً، فهنيئاً لمن اعتبر واتعظ وصبر واحتسب، وهنيئاً لمن لاقى ربه وقد صلح عمله، وهنيئاً لمن رحل عن الدنيا وترك سيرة طيبة مع الجميع ومن الجميع كل من يسمع أو يسرد اسمه يردفها بكلمة (الله يذكره بالخير) فيحظى بالحسنيين خيري الدنيا والآخرة, فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
لقد تألمت وحزنت كثيراً وانقبض قلبي رغماً عني عندما تلقيت خبر وفاة صديقي الغالي محمد بن عبدالعزيز اليوسف الذي كان يشارك قبل رحيله بساعات معدودة أفراح أبناء عمه بمناسبة زواج ابنهم، ولم أتمالك نفسي عندما تلقيت فاجعة خبر وفاته كالصدمة وأنا أجهش بالبكاء.. صديقنا «الحبيب».. صاحب الصدر الرَّحِيب و»الابتسامة المُعدية الذي كنا نأنس بوجوده بيننا وبروحه الطيِّبة المرحة وبابتساماته المشرقة التي كان يشع بها أرجاء الاستراحة، فلقد كان -رحمه الله -، ما إن يحل مكاناً، حتى تزدان النفوس بالبهجة لوجوده، وتنتعش القلوب بدفء مشاعره الحانية ولإطلالته البهية، وبشاشته التي لم تكن تفارق محياه حتى في لحظات حزنه.
رحل الذي شهد له الجميع بالشهامة والكرم، ودماثة الخلق والتواضع الجم «أبو فهد» الذي امتدت علاقتي به منذ الصغر، صاحب الشخصية الذهبية والسجايا الفاضلة، نقي القلب، عزيز الجانب وطيب العشرة ورفيق (الحبابة والسناعة) وعاشق الود والوصل والنبل والوفاء والصفح والتسامح..
تلك السمات التي تجسد عذوبة لطفه وذوقه وإنسانيته.
ولهذا حق للأعين أن تبكي على فراقه المؤلم، وحق للقلوب أن تفجع لرحيله، لأن مآثره من الصعب أن تنسى.. رجل (نشمي) قمة العطاء والوفاء، علامته البارزة (النخوة والشهامة) وسيرته الطيبة مع الجميع الصغير والكبير، هي أبرز سماته الرائعة. لذلك فقد كانت مساحة احترام الآخرين له كبيرة وكانت مساحة حبهم في قلبه أكثر وأكبر ولقد كان محباً للجميع ومحبوباً من الجميع، ومحبة الناس قبس من محبة الله وفضله، والخلق شهداء الله في الأرض، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحد.. والمواقف لا تظهر إلا في الشدائد وسوء الفهم، فهي التي تبيّن لك معادن الرجال والناس وصفاء قلوبهم وحقيقة مشاعرهم وأخلاقهم وقيمهم، لأنها تجلي كامن صفاتهم النبيلة، «وكل ما زاد الغلاء زاد العتاب» فحين عتبت على الحبيب الغالي أبو فهد قبل سنوات بسبب موقف عابر كان كعادته «ينحط على الجرح يبرأ» فيه من الحرص والاهتمام الذي يفوق الوصف من أجل أن لا يكون في خاطري أو خاطر غيري مثقال ذرة عليه، وهذا من الصعب، بل من المستحيل أن يستطيع البعيد فما بالكم القريب أن يحمل شيئاً عليه، لذلك ذكرت له حينها «أنك يا أبو فهد ما يقدر أحد يزعل عليك لأنك بلسم ود ومحبة» ورجل تقي، نقي، وفي، وفيك من الجمال والعذوبة التي تفوق الوصف..
رحل «الفقيد الغالي أبو فهد» وبقي ساكناً في أعماق قلوبنا مثلاً وقدوة طيبة في الخير والصلاح والفلاح و»الطيب ودماثة الخلق والحبابة».
رحل وستبقى سيرته العطرة حيَّة وحاضرة في القلوب والوجدان..
رحل وسيبقى رحيله أعمق لحظات التأمل، بالليل يشارك أبو فهد أفراح «أسرة اليوسف» بمناسبة زواج ابنهم محمد وصباح غد يتعرض لحادث مأساوي شنيع، وفي المساء يتسابقون الحشود في تشجيع جنازته ويحثون التراب عليه في قبره وهذه سنَّة الحياة، «يموت الأحباب أصحاب القلوب النقية، فلا يندثر منهم إلا أجسادهم، وتبقى سيرتهم الحيَّة راسخة في الأرض، فالطيبون الأخيار لا يرحلون، بل هم باقون في القلوب.
نسأل أن يتغمّد الفقيد أبا فهد بواسع رحمته وينور عليه في قبره، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن ينعم عليه بعفوه ورضوانه، ويرفع درجاته في عليين، وينزله منازل الصالحين، ويجبر كسر أسرته ومحبيه، ويربط على قلوبهم، ويلهمهم الصبر، ويجزل لهم بالصبر الأجر الجزيل.
كما نسأل الله بفضله ورحمته الذي جمعنا به في دنيا فانية أن يجمعنا به ووالدينا في جنات قطوفها دانية.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.