عبدالرحمن الحبيب
لدى العالم حاليًا 169 أولوية من أهداف التنمية المستدامة.. من خلال الوعد بكل شيء، فإننا نوزع مواردنا بشكل ضئيل عبر كل شيء، ونقدم القليل من الفائدة فقط، لأننا لا نملك الموارد الكافية لتحقيق كل هذه الأولويات، وهذا ما يتجلى في حقيقة أننا بعيدون كل البعد عن المسار الصحيح... بعض الأشياء يصعب إصلاحها، وتكلف الكثير، ولا تساعد إلا قليلاً، بينما مشاكل أخرى نعرف كيفية حلها، بتكلفة منخفضة، وبنتائج ملحوظة. ينبغي أن نفعل الأشياء السريعة أولاً.. ينبغي على الحكومات والجهات الخيرية التركيز على هذه الأشياء الـ12 الأكثر أهمية للعالم: مكافحة السل والملاريا والأمراض المزمنة، ومعالجة سوء التغذية، وتحسين التعليم، وزيادة التجارة، وتنفيذ المشتريات الإلكترونية، وتأمين حيازة الأراضي.. وهذا سوف يحسن العالم بشكل مثير للدهشة، في حين تبلغ التكلفة فقط 35 مليار دولار سنوياً، بمنافع ضخمة تشمل إنقاذ حياة 4.2 مليون شخص كل عام وتوليد 1.1 تريليون دولار إضافية لفقراء العالم.
هذه مقتطفات من كتاب «أفضل الأشياء أولاً» (Best Things First) للباحث في الأعمال الخيرية د. بيورن لومبورج الذي من خلال مركزه البحثي «إجماع كوبنهاجن»، يقترح الحلول الأكثر فعالية لأكبر التحديات التي يواجهها العالم، من المرض والجوع إلى المناخ والتعليم.
يطرح الكتاب حججاً لاستبدال أهداف التنمية المستدامة الكثيرة والغامضة للأمم المتحدة باثنتي عشرة سياسة فعالة من حيث التكلفة لمساعدة فقراء العالم.. موضحاً أن زعماء العالم وعدوا الجميع بكل شيء، لكنهم قدموا القليل.. فمن المفترض أن يتم تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول عام 2030. هذه الأهداف تَعِد حرفياً بكل شيء، مثل القضاء على الفقر والجوع والمرض؛ وقف الحرب وتغير المناخ، وإنهاء الفساد، وإصلاح التعليم إلى جانب وعود أخرى لا حصر لها. وفي هذا العام، وصل العالم إلى منتصف الطريق للوفاء بوعوده، ولكنه لم يقترب من منتصف الطريق على الإطلاق، حسب المؤلف لومبورج.
يرى لومبورج أنه ينبغي على الحكومات والجهات الخيرية التركيز على اثنتي عشرة مسألة الأكثر إلحاحاً رغم أنها قد تبدو مملة وغير جذابة، وهي المذكورة في المقدمة.. ويرى أننا قادرون بالتأكيد على تحمل تكاليفها، فتكلفة 35 مليار دولار تعادل الزيادة في الإنفاق العالمي السنوي على مستحضرات التجميل على مدى العامين الماضيين. وستكون الفوائد مذهلة بالنسبة لأفقر 4 مليارات شخص في العالم. ستتجنب هذه السياسات وفاة كل سبعة أشخاص بينما تجعل الجميع أكثر ثراءً بنسبة 11%. وكل دولار ينفق سيحقق 52 دولاراً من الفوائد العالمية.. من المحتمل أن يكون هذا أفضل شيء يمكن أن يفعله العالم في هذا العقد، حسب لومبورج.
في لقاء معه، يقول لومبورج: بطبيعة الحال، فإن الاقتصاد ليس الجزء الوحيد من هذه الفكرة، فهناك أيضاً اعتبارات أخلاقية وسياسية. ولا ينبغي أن يقتصر تحديد الأولويات على النظر في نسب الفوائد إلى التكلفة. ولكن من المهم للغاية إثراء الخطاب الأخلاقي والسياسي ببيانات عالية الجودة تخبرنا بتكلفة الحلول المختلفة وفوائدها. ويمكن أن يكون ذلك بمثابة مساعدة كبيرة في تركيز الموارد على الأماكن التي يمكننا فيها تحقيق المزيد من الخير.
وقد قام وزملاؤه الباحثون بتقييم أكثر من 100 سياسة تنمية للعثور على أفضل الحلول. على سبيل المثال، من خلال حساباتهم، فإن زيادة تمويل تحصينات الأطفال بمقدار 1.7 مليار دولار يمكن أن تنقذ نصف مليون حياة كل عام وتوفر نسبة الفائدة إلى التكلفة بمقدار 101، وهذا يعني أنه مقابل كل دولار يتم إنفاقه، فإن العائد الإجمالي أو المنفعة المجتمع هو 101 دولار. فالاستثمارات في مجال صحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة التي قاموا بتقييمها تحقق 87 دولاراً مقابل كل دولار يتم إنفاقه، في حين ستوفر الاستثمارات في مكافحة الملاريا 48 دولاراً مقابل كل دولار يتم إنفاقه.
وطرح لومبورج رؤيته قائلاً: «إن أهداف التنمية المستدامة تفشل. نحن بحاجة إلى أن نجتمع معاً كعالم الآن ونعترف بذلك ونقول: «انظر، سيكون من الرائع الوفاء بكل الوعود، لكن بالنظر إلى أننا لن نعمل ذلك فعلياً، يجب أن نركز بدلاً من ذلك على القيام بأفضل الأشياء أولاً، وهذا من شأنه أن يحقق نتيجة مذهلة.. هذه هي الفكرة وراء بحثنا وكتابنا، أن نكون قادرين على إظهار ذلك لوزراء المالية والجهات المانحة والقول: «ليست هذه نتيجة جيدة فحسب، ولكنها أيضاً صفقة جيدة حقاً».
إن فرضية كتابنا هي الإجابة على السؤال التالي: «إذا لم تكن قادراً على إنجاز كل هذه الأشياء العظيمة في وقت واحد، فما الذي يجب أن تركز عليه الموارد الإضافية أولاً؟» ما نحاول قوله ببساطة هو أنه ربما يتعين علينا إنفاق المزيد على الأشياء التي تحقق فوائد مذهلة قبل أن نركز على الأشياء التي توفر القليل من الفوائد مقابل كل دولار يتم إنفاقه.. إذا كنا نقول إن هذه (استثمارات) مذهلة، فلماذا لا يقوم بها العالم؟ إحدى الإجابات هي لأننا ندافع بطريقة ما عن الأشياء المملة، وغالباً ما نناقش قضايا وتدخلات لا تحظى بعلاقات عامة كبيرة أو ظهور أبطال من المشاهير.