د.عبدالله بن موسى الطاير
أدت الروايات الإعلامية والافتراضات الثقافية إلى إدامة الصور النمطية السلبية المملكة، وأعاقت بعض مبادرات التفاهم والحوار مع الغرب على مستوى النخب. وغالباً ما تم صبغ صورة المملكة في أمريكا والغرب بمواد موجهة، كالزعم باعتناق المملكة تفسيراً متشدداً للدين، يقود بالضرورة وفق مفهومهم إلى التطرف العنيف والإرهاب.
الواقع أن هناك موجهة حقيقية بين العقيدة الليبرالية الديموقراطية والأديان السماوية عموماً، والدين الإسلامي على وجه التحديد. فإذا أضيف إلى القيم الليبرالية الديموقراطية الخلفية المسيحية للنخب الغربية التي تجمعها المسيحية، العرق الأبيض والديموقراطية في هوية واحدة، المصالح المشتركة تتولد عنها الصداقات والصداقات الإستراتيجية، والقيم المتماهية يتولد عنها الحلافات. ونحن مع الغرب نتبادل منافع كثيرة، لكننا لا نتشارك القيم ذاتها، ولذلك لا يطلق علينا حلفاء.
في ذات السياق، فإن الشك مفردة ثابتة في أي تحليل أو تأريخ أو مقاربة فكرية تخص المملكة، وهو يحكم رواياتهم في غياب الحريات الدينية، والقيود المفروضة على غير المسلمين في ممارسة عباداتهم، وتقييد حقوق المرأة، بما في ذلك قيادة السيارة والسفر والولاية، للبرهنة على اضطهاد واسع النطاق لها، وتقديمه على اليقين يصنع واجهة خلاف حقيقي لا يتأثر بمبادرات حسن النوايا، والأنشطة المتبادلة.
بكل أسف، حشدت مزاعم وافتراءات لم يكن لها أن تكون مظنة للهمز واللمز، بيد أنها كانت كذلك في مقاربة منبتة عن بقية التجارب؛ غالباً ما يؤدي ارتباط المملكة بالثروة النفطية إلى افتراضات حول الإنفاق المفرط في البذخ، وفقر التنمية الاقتصادية، وفساد شرائح من المجتمع، وعدم الأهلية والاستحقاق للثروة، مع توظيف الرواية والسينما والإعلام في التصوير السلبي للسعودية. تُقدم المملكة في تلك الأدبيات على أنها دولةً صحراوية ذات تكنولوجيا وبنية تحتية متخلفة كأحد مدخلات التشويه الكاذب المتعمد للحقيقة، وذلك بهدف احتواء الأثر الإيجابي لحراك التغيير الداخلي السعودي، وتهميش الانخراط السياسي والاقتصادي والثقافي الدولي للمملكة، وتحقيقها مكتسبات ضخمة.
إن جذور المشكل متعدد الأبعاد فيما يخص سمعة المملكة في المجتمعات الغربية، يعود إلى القرن السابع الميلادي، حيث خلقت الفتوحات الإسلامية سرداً تاريخياً محتدماً، وهيأت ظروفا للمنافسة وأحيانا الصراع. أضيف إلى ذك النفوذ الاستعماري الغربي في المنطقة، مما خلّف كدمات دالة على اختلال توازن القوى والصدامات الثقافية وعدم الثقة.
شهدت حقبة الحرب الباردة اصطفاف المملكة مع الغرب ضد التوسع الشيوعي، إلا أن ذلك بقي في إطار المصالح لا القيم. الأعراف والقيم الاجتماعية المتباينة بين المعسكرين وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بأدوار الذكر والأنثى، والحريات الاجتماعية، والحقوق الفردية، لعبت دورا سلبيا بسبب الخلاف الكبير حول هذه المفاهيم التي يصر الغرب الديموقراطي الليبرالي على فرض روايته في تعريفها دون أي اعتبار لوجهة نظر الطرف المقابل.
من حسن الحظ أن هناك فجوة تتسع بين النخب والمؤسسات والحكومات الغربية العميقة من جانب، وبين عامة الناس الذين يرون الفرص المتاحة لمواطني المملكة، وللكفاءات العالمية، بحيث أصبحت بلادنا قبلة للخبرات المميزة والأعمال الناجحة، إضافة إلى ارتباط السمعة بالانفتاح والتغيير، والاستثمار والرياضة، والمناسبات الثقافية والفنية التي غسلت الكثير من الغبش عن عيون العامة، هذا من جانب آخر.
جهود المملكة في تنويع الاقتصاد، ونمو القطاعات غير النفطية، ومحاربة الفساد، ورفع كفاءة الإنفاق وترشيده، حقائق يتم اعتراضها والتشكيك فيها وتأويلها بروايات تسهم في استدامة الصور النمطية الخاطئة. إن استمرار نظرية الشك، والتشبث بالقيم الغربية على أنها الأصلح وحدها، رسّخ عدم الاعتراف بالتقدم الكبير الذي أحرز في السنوات الأخيرة بما في ذلك قيادة المرأة، وزيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة والتعليم، وتحديث أنظمة كثيرة كانت تقيد حركتها، وتجاهل العدد المتزايد من النساء في المناصب القيادية، ورائدات الأعمال، والناشطات اللاتي يقدن التغيير الإيجابي في ضوء رؤية السعودية 2030 .
تصريحات المسؤولين السعوديين واضحة في أن الحراك الذي تشهده المملكة في جميع القطاعات موجه بالدرجة الأولى للمواطن والمقيم في المملكة، وهذا يعفينا من انتظار نتائج سريعة على سمعة المملكة لدى مجتمعات ونخب لا نية لديهم للتفريط في قيمهم، وكما هو واضح لهم فإن المملكة لن تفرط في قيمها لترضي أحداً.
ومع بقاء الغرب غرباً والشرق شرقاً فإن تبادل المنافع وإدارة العلاقات، والتعويل على الأجيال الجديدة التي تتصل ببعضها بعيداً عن القولبة النمطية سوف يسهم في وضع الأمور في نصابها. حقيقة المملكة ناصعة لمن يريد النظر بتجرد لها، وصورتها النمطية السلبية تبقى نتيجة تصورات خاطئة، ولا بد لمن أسهم فيها أن يتمتع بقدر من الشجاعة لتصحيحها.