عبدالله إبراهيم الكعيد
أعني هنا بالإدراك حسب تعريف أهل الاختصاص على أنه العمليات العقلية المتضمنة اكتساب المعرفة والفهم، إذ تعد عملية الإدراك إحدى وظائف الدماغ عالية المستوى بحيث تشمل عمليات التفكير، والمعرفة، والتذكّر، والحكم، وحل المشكلات ... إلخ.
دعونا نركّز على واحدة من تلك العمليات وهي (المعرفة) فحين نقول فلان يدرك قيمة الوقت يعني أنه يعرف أهميته حق المعرفة.
ومعرفة الشيء نقيض الجهل به.
فالمدرك لا يحتاج إلى من يعلّمه، بل ربما يكون في حاجة إلى من يُذكّره كما يؤمن المشتغلون ببرامج التوعية، حيث تعتمد رسائلهم الاتصالية على تذكير الناس وتنبيههم بما يرفع من مستوى إدراكهم حيال القضايا والمواضيع ذات الأهمية المتعلقة بحياتهم والأخطار التي تُحيط بهم.
قال الفيلسوف الصيني سونزي قبل أكثر من قرنين إن «الإدراك العميق للأنظمة والقوانين يُنتج إنساناً متوازناً ومستقراً» وهنا بيت القصيد الذي أود الوصول إليه.
المعرفة بالقوانين تجعل الإنسان أكثر إدراكاً بدوره وعلاقاته مع الآخرين كأشخاص والكيانات كأشياء ومؤسسات.
دعونا نعكس الحكاية ونسأل: ماذا لو جهل أو تجاهل فرد أو مجموعة أفراد نظاماً أو قانوناً له علاقة بحياته وحياة الآخرين كيف يمكن وصف تلك الحالة ونتائجها؟ لا أحد يجهل أن من تُعرّفه القوانين في كل المجتمعات بالمخالف وأن هناك عقوبات تحددها تلك القوانين تطبق عليه لأنه يعرف القوانين ويعي مدى خطورة انتهاكها وتقوم وكالات تنفيذ القانون برصد من يتعمّد مخالفتها وإيقافه ومن ثم يُحال إلى المؤسسات العدلية لإصدار الأحكام في حالة عدم قناعة أو اعتراف المخالف بما فعله.
أما الجاهل وهو أُسّ الحكاية التي أدور في فلكها.
فهل يُعاقب كمخالف وهو لا يُدرك بأنه خالف أمراً يجهله من الأساس؟ نسمع كثيراً مناشدة الأجهزة الخدمية ذات المساس بحياة الناس التقيّد بالأنظمة والقوانين، فيقول الناس وأين هي أنظمتكم التي تريدون منّا الالتزام بها وعدم مخالفتها؟ من هنا تتضح الفجوة وتتكشَّف عناصر الحكاية برمتها.
مؤسسات تطلب إطاعة قوانينها وأناس لا يعرفونها ولا من أين يحصلون عليها! أثار كاتب هذه السطور تلك القضية في زمن مضى في أحد الاجتماعات الرسمية وأقترح جمع كل الأنظمة والقوانين تلك التي يفترض أن يعرفها الناس وتشكيل فريق عمل يستخلص أهم ما فيها ثم تجمع في كُتيب يُسمى (الدليل الإرشادي لأنظمة المملكة العربية السعودية) تطبعه المطابع الحكومية الأمنية ثم يُتاح لكل الناس مجاناً بحيث يوزع مع أي خدمة تقدمها الأجهزة الحكومية كرخص القيادة وتراخيص البلديات والجوازات وفتح حسابات في البنوك ومراجعة المستشفيات وغيرها.
بهذا نسد ثغرة الجهل بالأنظمة والقوانين ويصبح لدى الناس إدراك عميق بها وبالتالي يتشكّل مجتمع متوازن ومستقر حسب قول الفيلسوف الصيني.