عبده الأسمري
منذ أن اعتنقت فعل «الكتابة» تيقنت أنها سلوك معرفي يعكس «هوية» التفكير ومسلك احترافي يوظف هيئة «التدبير» ووجدتها «السبيل» الراقي للتنفيس عن «مكنون» الذات و»الجواب» الوافي للاستئناس بمخزون «العقل»..
بعد سنوات من الركض في ميدان «الكتابة» تعلمت أن هذه المهنة السامية والحرفة الراقية تتطلب «فراسة» الموهبة و»فروسية» الهبة حتى تستطيع امتطاء صهوة «الحروف» وامتلاك «حظوة» الاحتراف وصولاً إلى تدريب «القلم» على نيل «العلا» وتجويد البيان لارتقاء «المعالي».
«الكتابة» فعل متاح وإنتاج مضمون لكل من تعلم الحرف واحترف التعلم وتماهى مع «العبارة» وتواءم مع «الكلمة» ولكن الدرجات تتباين في أصداء «المنتج» والمستويات تتفاوت ضمن أبعاد «الإنتاج».
الكتابة أنواع ولا ضير أين يكون الميدان على الورق أو الألواح الرقمية وحتى على الحجر وعلى جذوع الشجر أو على الرمال بقلم رفيع أو سميك أو بلوحة مفاتيح أنيقة أو أخرى مبرمجة وتبقى العبرة بما يجود به «الفكر» من أداء على نواصي العبارات وما تكتنزه «النفس» من تعبير على أسوار الكلمات لتظهر «النصوص» كثمار يقطفها القارئ ليملأ بها قلبه ويغمر بها وجدانه..
قد تجبرنا «الكتابة» أن نظل داخل الأقواس أو أن نحاط بإطارات رقابية معينة أو خطوط حمراء حتمية أو أسقف حرية محدودة ولكنها تبقى «حرة» في مساحات تعبيرنا وشامخة في ساحات تفكيرنا و»عصية» أمام محيطات «الرفض» وأبية» وسط موجبات «الافتراض» وساطعة رغم فرضيات «الاعتراض» لذا فإنها حديث «النفس» القادر على هزيمة «الكبت» وحديث العقل المتمكن في إظهار «الخفي»..
تحيطنا «الكتابة» بإضاءات من التنوير وإمضاءات من التطوير وبصمات من التفكير تعيد الأنفس إلى سيرتها الأولى المسجوعة بفطرية «التساؤل» وعفوية «الاندهاش» وهي ذلك الضياء المعرفي الذي يخترق عمق «الروح» ليخرج «خزائن» الإمضاء البشري الذي يمنح «الحياة» قيمة «الابتكار» ويعطي «العمر» مقام «الاقتدار».
الكتابة فعل قويم يتطلب «المثابرة» وصولاً إلى رسم «مشاهد» الانفراد حتى نتجاوز «روتين» الاعتياد فالكل يكتب والجميع يسرد ولكن «القيمة» الحقيقية في الجودة و»المقام» الأحق في الإجادة لذا فإن عبارة منذ مئات السنين لا تزال خالدة على صفحات «الأجيال» رغماً عن التقنية متجاوزة «عشرات» الكتب المتعاقبة أو المؤلفات المسرودة على الأرفف أو تلك القابعة في متاهات «النسيان».
الكتابة الإبداعية وحدها من تجيد «العزف» على أوتار «الذائقة» وهي القادرة على تحويل الكلام إلى «الحان مكتوبة» تؤكد الاستثناء وتستوجب الثناء وفق «إنتاج» يعتلى «منصات» التقييم بشهادة «القارئ» ويعلو «مصاف» التحكيم بريادة «الكاتب».
نحتاج إلى كتابة مختلفة خارج النصوص الاعتيادية والأقواس المفروضة وبعيداً عن فوضى «المأجورين» الذين يتخذونها وظيفة وبمنأى عن «الدخلاء» الذين يشوهونها بالرعونة.. لأنها حرفة «الكبار» ومنبع «الاختبار» ووجه «الفكر» وواجهة «الإبداع» لذا علينا الاعتناء بها والاحتفاء بإنتاجها والاحتذاء بمكنونها في اتجاهات «الحاضر» وأبعاد «المستقبل».