فضل بن سعد البوعينين
خصخصة القطاع الصحي أحد أهم الملفات المؤثرة في المجتمع، لأهميته الخدمية، وانعكاساته على صحة المواطنين، والمنظومة الصحية بشكل عام. وعلى الرغم من أهميته القصوى كجزء من مستهدفات رؤية 2030، إلا أنه لم يخلُ من التحديات التي أستوجبت المعالجة قبل البدء في تنفيذ استراتيجيته الشاملة، ما استوجب التعامل معه بتروي، ومن خلال مراحل تضمن استدامة تقديم الخدمة بجودة وكفاية وشمولية، وتحقيق استراتيجية التحول في القطاع للوصول إلى المرحلة الأخيرة، وضمان جاهزية بعض القطاعات ذات العلاقة، ومنها قطاع التأمين.
لم تركز رؤية 2030 على خصخصة القطاع فحسب، بل على إعادة هيكلته، وترتيب أولوياته، وتوجيه الاستثمارات الحكومية الضخمة لتحقيق مستهدفات لم تكن في مخيلة القائمين على القطاع من قبل.
فلسفة «الاستثمار في الصحة» تختلف عن فلسفة الاستثمار السائد في القطاع من قبل، والذي يعتمد على التوسع في إنشاء المستشفيات والمراكز وتوفير الأدوية، أو بمعنى آخر التعامل مع مرحلة ما بعد المرض، والإصابات بأنواعها، لا الوقاية منها. لذا جاءت توجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للاستثمار في تعزيز صحة الإنسان، والوقاية من الأمراض بأنواعها، والحد من الإصابات المقعدة، والمميته الناجمة عن حوادث المركبات. تحول استراتيجي يستهدف الاستثمار في «الأمل» بدلاً من «الألم».
وزير الصحة فهد الجلاجل أكد أن الصحة باتت حاضرة في جميع السياسات الحكومية ذات العلاقة، وبما ينعكس إيجاباً على صحة الإنسان، وتوفير الوقاية، وحمايته من الحوادث المميتة والمقعدة. فالحديث عن «المجتمع الحيوي» وبرنامج «جودة الحياة» يعني تحقيق متطلبات الجودة في صحة الإنسان، الجسدية والنفسية، وتوفير البيئة المناسبة للعيش وتوفير الرعاية الصحية المتميزة، وبما ينعكس إيجاباً على المجتمع بمكوناته.
ما يقرب من 12 وزارة باتت معنية بصحة الإنسان وسلامته، وشريكة لوزارة الصحة في تحقيق هدف الوقاية من الأمراض المزمنة والإصابات، وتعزيز صحة الإنسان.
ولعلي أشير إلى الشراكة المهمة مع وزارة الإعلام، والمنظومة الإعلامية، المساهمة في رفع الوعي المجتمعي وحمايته وإيصال المعلومة الصحية الدقيقة، ومبادرة معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري في عقد لقاءات إعلامية مشتركة لتعزيز المعرفة الصحية، وإطلاع قادة الرأي على تطورات القطاع الصحي.
استثمار القيادة في صحة الإنسان ساهم، بعد عناية الله وتوفيقه، في تجاوز المملكة لجائحة كورونا، وتحقيق النظام الصحي نجاحاً باهراً تفوَّق من خلالها على أنظمة صحية عالمية.
كفاءة عالية أظهرها النظام الصحي السعودي، وجهود حكومية متميزة تعاملت باحترافية مع الآثار الصحية، الاقتصادية، والاجتماعية.
قصة نجاح تروى، وستبقى شاهدة على تميز القطاع الصحي الذي أثبت قدرة فائقة على مواجهة الظروف الطارئة وبكفاءة عالية.
شكلت جائحة كورونا اختباراً عملياً للقطاع ومنظومته وجاهزيته، ونجاعة برامج التحول.
لم تتوقف وزارة الصحة عند مؤشرات النجاح الاستثنائية، وتتغنى بما مضى، بل تابعت تطورات فيروس كورونا، لتكون على اطلاع تام بمتحوراته، ومخاطره المتوقعة، وتوفير الحماية لفئات المجتمع كافة.
يؤكد معالي وزير الصحة، وبشكل قطعي، أن المتحور الجديد من فيروس كوفيد «غير مقلقل»، وعلى الرغم من سرعة إنتشاره، إلا أن أثره بات محدوداً، بسبب ارتفاع نسبة الحاصلين على لقاح كورونا من قبل، ومع ذلك تنصح وزارة الصحة كبار السن، ومنخفضي المناعة، وأصحاب الأمراض المزمنة، في أخذ اللقاح الجديد لتعزيز مناعتهم ضد الفيروس المتحور.
ساهم التحول الصحي الذي تشهده المملكة في تطوير منظومة الصحة، ورفع جودة الخدمات الصحية، والحد من عدد الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة، وساهم أيضاً في خفض وفيات الحوادث المرورية بنسبة 50 %، ونشر ثقافة ممارسة الرياضة، بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة، وبما عزز من صحة الإنسان، والوقاية من بعض الأمراض المزمنة كالسكر والضغط، والحد من المكونات الغذائية الخطرة وأمراض السمنة.
اختصر وزير الصحة ما يشهده القطاع من تحول شامل بكلمات معبرة حين أشار إلى أن المملكة ومنذ إطلاق رؤية 2030 أصبحت تستثمر في «الأمل»، من خلال تعزيز الوقاية، وصحة الإنسان، بشكل أكبر، مع ضمان تكامل الخدمات الصحية، وتطورها، وتقديمها وفق منظومة جديدة تسهم في تحسين الخدمة وشموليتها، وتطوير المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية والخدمات الإسعافية، وتعزيز التحول الرقمي، والعمل على تحول الوزارة لتكون منظماً ومشرعاً للقطاع لا مقدماً للخدمة. وقد قيل «درهم وقاية خير من قنطار علاج».