خالد بن حمد المالك
وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية يقوم حالياً بزيارات لإسرائيل وعدد من دول المنطقة، ويتحدث في كل دولة عن مواقف إيجابية من الحرب في غزة، وإن كان يتجنب الحديث عن المطالبة بوقف إطلاق النار، وقيام الدولة الفلسطينية، وتحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، لكنه حين تكون له زيارة لإسرائيل، وما أكثر زياراته لها، فهو يبدو شخصية مختلفة، بل إنه قال في إحدى زياراته بأنه لا يأتي إلى إسرائيل بوصفه وزيراً للخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما يأتيها كيهودي متعاطف وداعم لإسرائيل، وبذلك أسقط الحياد، وأظهر انحياز بلاده في هذه الحرب لصالح إسرائيل.
* *
يركز الوزير الأمريكي على إدخال المواد الغذائية لقطاع غزة، وتحرير الرهائن لدى حماس، وعلى عدم التصعيد في هذه الحرب، خاصة مع حزب الله في لبنان، وبالتحليل المنطقي لموقف أمريكا من الحرب لا يخرج عن أن الغرض من دعوته للتهدئة بين إسرائيل ولبنان إنما هو لكي تركز إسرائيل في عدوانها على غزة والضفة الغربية، بدلاً من تشتت جهودها من خلال دخول أطراف أخرى في حرب معها، فيما كان ينبغي عليه أن يطالب إسرائيل بإيقاف العدوان، وتحرير أكثر من تسعة آلاف فلسطيني سجين لدى إسرائيل من غياهب السجون الإسرائيلية، وصولاً لقيام الدولة الفلسطينية، على أراضي حدود عام 1967م وعاصمتها القدس.
* *
وللتذكير فإن جميع الدول التي كانت تحت الاحتلال انسحب المحتل منها، إمّا بالقوة العسكرية، وإمّا من خلال الحوار، وبنظرة للمحتل الإسرائيلي لأراضي فلسطين، فإنه يرفض قيام الدولة الفلسطينية، ويرفض الحوار، ويرى أنه بالقوة المفرطة يستطيع أن يمنع تحقيق ذلك، وربما أنه يجد من يشجعه على ذلك، أو على الأقل عدم الاعتراض على أهدافه، ما جعل الصراع يستمر على مدى أكثر من سبعين عاماً، دون أن تهنأ إسرائيل بالاستقرار والسلام، وتالياً ما جعل المنطقة كلها تتنازعها المؤامرات من داخل المنطقة وخارجها، مع أن الحل لهذه المشكلة المزمنة يكمن في التوجه إلى طاولة الحوار، والوصول إلى ما يعزز الأمن والاستقرار لكل دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
* *
وإسرائيل سوف تتورط بغزة بعد أن تنتهي الحرب، ولن تكون قادرة على إدارتها كما هي نيتها، فالقضاء على حماس سوف يولّد حماس أخرى، ومقاومة جديدة، وهذا سبب الخلافات التي تعصف بحكومة العدو، على ما ينبغي أن تكون عليه غزة في المستقبل، بافتراض أن حماس سوف تتلقى هزيمة مدوية كما يكرر رئيس الوزراء والوزراء وقادة الجيش والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، مع أن مشهد المعركة بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر لا يوحي بذلك في الفترة القريبة القادمة.
* *
مسؤولية أمريكا التي يظهر أنها هي من تدير المعركة لصالح إسرائيل، من خلال استمرارها في تزويد إسرائيل بالأسلحة، والمعلومات الاستخباراتية، والتهديد بالتدخل متى شعرت بأن الجيش الإسرائيلي في حالة انكسار وهزيمة، حيث ترابط مدمراتها وبوارجها على مقربة من مواقع القتال، مسؤولية واشنطون أن تلزم إسرائيل بوقف القتال، والعودة إلى تبادل أسراها مع حماس والجهاد بالأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، وصولاً إلى البدء في تحقيق الدولة الفلسطينية المنشودة، ودون ذلك سوف يستمر الصراع، والتطهير العرقي، وجرائم الحرب، ولكن دون أن تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة.
* هذه الكلمة كتبتها قبل وصول بلينكن وزير خارجية أمريكا إلى العلا، ومباحثاته مع سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، الذي أتوقع أن يسمع منه بكل صراحة وشفافية ما يجعله يتحدث للإعلام، ويعيد النظر في تصريحاته في الدول التي زارها قبل أن يلتقي بسمو الأمير محمد بن سلمان في العلا.