صفوان بن جريف السلمي
قد يؤدي غياب الغموض والشك إلى توقعات غير صحيحة ومخاطر مفرطة، مما يجعل الصراع أكثر احتمالاً. وبالمثل، يرى صانعو السياسات الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أن الشفافية هي مفتاح استقرار السوق. على سبيل المثال، يذكر رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي السابق آلان جرينسبان أن مجلس الاحتياط الفيدرالي في فترة ما بعد الحرب «سعى إلى تعزيز أسواق الديون عالية السيولة من خلال استخدام ما أسميناه الغموض البناء، مفترضاً أن الأسواق غير المتأكدة من اتجاه أسعار الفائدة ستخلق مخزوناً ضخماً مرغوباً فيه من كل من الطلبات والعروض. إنه من الممكن أن نرى أيضاً في وقتنا الحاضر سياسة البنك الفيدرالي أيضاً غامضة, حيث يترقب العالم جميعاً لما سوف يقوم به جيروم باول رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والتي يصل صداها لأقصى الشرق من العالم.
بالرغم من الضبابية في تأسس مجموعة بريكس في عام 2006 فإن الولايات المتحدة لم تلقِ لها ذلك الاهتمام الشديد حتى تقدمت مؤخراً دول عدة للانضمام إلى المجموعة وأهم تلك الدول هي المصدرة للنفط. وجود روسيا في مجموعة بريكس وانضمام المملكة العربية السعودية وهما أكبر منتجي النفط في مجموعة أوبك بلس إشارة بأن التحالف ليس التحكم في أسعار النفط بل قد يفتح أحد أسوأ الاحتمالات التي قد تواجه الوجود الأمريكي بأحد أسلحتها التي تحكم به النظام القائم على القواعد وهو البترودولار. يبقى السؤال الأهم ماذا بعد الخروج من مرحلة البترودولار؟ إن العودة إلى نظام الذهب أمر أقرب إلى الخيال بسبب ندرة الذهب عالمياً أحد الافتراضات المطرحة هو وضع عملة لأعضاء مجموعة بريكس ولكن سيكون الخلاف هو أين سيكون مقر البنك المخول بالعملة الموحدة. إذاً فأحد الافتراضات المقبولة بين دول مجموعة بريكس هو استخدام العملة المحلية لكل دولة في التجارة الخارجية مع الأعضاء الآخرين التي تقارب نسبة التجارة الدولية لهم ما يقارب 40 من التجارة العالمية. إن العواقب في الابتعاد عن تسعير النفط بالدولار ليست بالثقيلة كما يعتقد الجميع, فروسيا أكثر دولة تراكمت عليها العقوبات الغربية بعد الدخول في حربها ضد أوكرانيا, ظلت صامدة ولم تنجر لحرب أهلية أثرت على المواطن الروسي كما خططت له مجمو عة الناتو. إن انخفاض استخدام الدولار في التجارة الدولية سيضر كثيراً الولايات المتحدة الأمريكية ولكن الاستغناء عن الدولار كعملة لتقويم الدولار هو سلاح ذو حدين فدول بريكس على سبيل المثال قد تواجه عقوبات من الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد الاحتياطات من الدولار والاستثمارات كما فعلت مع روسيا مسبقاً. ويبقى السؤال مطروحاً هل لدى مجموعة بريكس الرغبة في تغير الدولار كعملة دولية أم هي سياسة الغموض للحصول على تنازلات كبيرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. انتقدت سياسة الغموض البناء بسبب أنه يمكن أن يكون الكثير من الغموض مزعزعاً للاستقرار، بالنظر إلى أنه لا توجد استراتيجية خارجية أو نهائية يمكن تطويرها لإدارة الغموض. يتطرق المكتب الوطني للبحوث الآسيوية أن بوصلة سياسة الغموض البناء ربما يكون قد تأرجحت بعيداً عن اتجاه الدقة، مما يحجب الفوائد الرئيسية للغموض كمصدر لشرعية السياسة والمرونة. أيضاً اعتبر الغموض في السنوات الأخيرة ضاراً بالتعاون والاستقرار الدولي وفعالية اسياسة الخارجية. هناك سياقات وظروف من المرجح أن تكون فيها الدقة في تحديد المعايير أو القواعد أو التوقعات مفيدة. وهذا ينطبق على نحو خاص عندما يثير عدم اليقين خطر سوء الحساب أو ردود الفعل المبالغ فيها. على سبيل المثال, ضربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الغموض في سياستها الخارجية مع الصين مما أدى إلى انقطاع التواصل بين وزراء الدفاع في البلدين.
جميع في مثل هذه السياقات من عدم اليقين القائم على نقص المعلومات المتاحة، قد يقلل صانعو السياسات من نطاق الغموض الذي يمكن أن يؤدي إلى سوء تواصل سياسي أو خطوات خاطئة من خلال السعي إلى أن يكونوا واضحين وشفافين قدر الإمكان فيما يتعلق بالقواعد والمعايير السياسية. في المقابل، يفترض أن الغموض المتعمد - الذي لا ينبع فقط من نقص المعلومات أو عدم التناسق بل من الطبيعة غير المحددة للتفاهمات المبدئية نفسها - قد يكون أقل عرضة للتوضيح. في الواقع، إلى حد أن التفاهمات المبدئية تتداخل غالباً وتكون عارضة على سبيل المثال، التوترات النمطية لبيان شنغهاي المشترك بين وجهات النظر المتضاربة حول قواعد السيادة والضرورات الاستراتيجية أو توترات حقبة بريتون وودز بين الاستقلالية السياسية والانفتاح الاقتصادي)، فإن جهود تقليل الالتزامات المبدئية بقواعد ومعايير واضحة تتولد منها سلوكيات مرضية أو مزعزعة للاستقرار. على سبيل المثال، أشار مايكل بارنيت ومارثا فينيمور في مناقشتهما المؤثرة حول الأمراض المؤسسية إلى خطر «العزلة»: عندما يصبح الوكلاء المؤسسيون معزولين عن التغذية الراجعة الخارجية أو البيئية، فقد «يطورون ثقافة ووجهات نظر داخلية لا تعزز أهداف وتوقعات من هم خارج المنظمة الذين أنشأوها والذين تخدمهم يمكن رؤية هذه الأمراض كمظهر من مظاهر محاولات تقليل التنازلات المبدئية الغامضة إلى قواعد تكنوقراطية لا لبس فيها بطرق تخدم المخاوف الضيقة بشأن وضوح السياسة. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي هذا جيداً إلى تعريض المخاوف الأكبر بشأن شرعية السياسة أو فعاليتها للخطر بطرق قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات والنزاعات.