د. محمد بن أحمد غروي
أعلنت آسيان في قمتها السابقة عن عزمها تحقيق صفر انبعاثات الكربون، وتحويل جنوب شرق آسيا إلى مركز لتصنيع السيارات الكهربائية عالميًّا، وهو إدراك من دول الرابطة للفرص الهائلة التي سيوفرها تطوير سلسلة التوريد العالمية لها في تنويع الاقتصاد، وتعزز الاستثمار المستدام لإنشاء نظم بيئية وسلاسل قيمة للسيارات الكهربائية، فضلًا عن الحاجة إلى توسيع الحيز السياسي للدول الأعضاء في رابطة أمم جنوب شرق آسيا.
يشير تقرير استثماري لآسيان منشور في عام 2022 إلى أن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية قد شكل حصة كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة بين عامي 2019 و2021، خاصة في إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، فيما ذكرت بعض التقارير الاقتصادية أن عددًا من الشركات الصينية للسيارات الكهربائية باتت الأكثر نشاطًا ورواجًا واستثمارًا في جنوب شرق آسيا، فيما أعلنت العديد من شركات السيارات في مايو الماضي عن خططها لإنتاج السيارات الكهربائية في فيتنام، وسبق لها افتتاح مصانعها في تايلاند عام 2022.
ودعمًا لهذا التوجه من لدن آسيان نحو السيارات الكهربائية في جنوب شرق آسيا إنتاجًا وتصنيعًا ودعمًا للتحول نحوها، عملت إندونيسيا على الاعتماد بشكل شبه كامل على السيارات الكهربائية في قمة العشرين التي عقدت قبل عامين في 2022 بجزيرة بالي، واستخدمت جاكرتا إجمالي 1,452 سيارة كهربائية للوفود المشاركة في الحدث العالمي، تضم 962 سيارة كهربائية، و454 دراجة نارية كهربائية، و36 حافلة كهربائية.
جذبت سياسات إندونيسيا الصديقة للبيئة والحديثة للسيارات الكهربائية المستثمرين العالميين إلى البلاد، لكن الخبراء يقولون إنها يمكن أن تعزز أيضًا الاستثمارات في صناعة السيارات بجنوب شرق آسيا على نطاق أوسع، كما تستعد مجموعة شركات كورية لإنتاج سيارات كهربائية، صنعت بطارياتها في إندونيسيا والتي ستعرض في السوقين المحلي والدولي بعد أشهر قليلة من هذا العام.
ويرى العاملون في مجال صناعة السيارات الكهربائية أن إندونيسيا يمكن أن تكون «بوابة» لبقية دول رابطة دول جنوب شرق آسيا في صناعة السيارات الكهربائية، لكونها الدولة الأكبر سكانيًّا وقوة بشرية، فلديها من المقومات التي تلزم المصانع بالتصنيع محليًّا، كما أن الأرخبيل من الدول الغنية بالنحاس والنيكل والبوكسيت، وهي مواد ضرورية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
تعد إندونيسيا أكبر مصدر للنيكل، حيث تمثل 22% من احتياطيات العالم، وفقًا لتقرير صادر عن موجز الآسيان، كما سعت إلى تحفيز تسلا على أمل استغلال ثرواتها من الموارد لتصبح مركزًا عالميًّا رئيسيًّا لسلسلة التوريد للسيارات الكهربائية، فيما تشير الإحصائيات إلى تقدم تايلاند في انتشار السيارات الكهربائية بسبب الخفض الضريبي والتوعية المحلية فمثلت أكثر من نصف مبيعات المنطقة للسيارات الكهربائية، تليها إندونيسيا وفيتنام.
وتتوقع بعض الدراسات أنه بحلول عام 2030، سيتحول ما يقرب من 30 % والتي تعادل 2.5 مليون مركبة (يتم إنتاجها سنويًّا) إلى سيارات كهربائية، ومن ناحية أخرى تشهد بعض الدول الأخرى في آسيان توجهًا مماثلًا، وإن كان أقل ظهورًا، نحو الاستثمار والتشجيع على استخدام السيارات الكهربائية، فعلى سبيل المثال زادت شركات السيارات اليابانية استثماراتها في الفلبين لتصنيع طرازين جديدين من السيارات الكهربائية بأسعار مناسبة للدخل المحلي.
وبحسب وزارة الاستثمار والتجارة والصناعة الماليزية وصلت الاستثمارات في صناعة السيارات الكهربائية فيها إلى 5.4 مليار دولار في أربعة أعوام، وزاد عدد المركبات الكهربائية المسجلة بأكثر من الضعف خلال العام الماضي مقارنة بسابقه.
خلاصة القول إن ما عملت به دول آسيان واندونيسيا تحديدًا من دعم الصناعات التحويلية، وفرض الحظر على تصدير بعض المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، وجذب المستثمرين والمصنعين الذين يحتاجون إلى تلك المواد إليها، أدى إلى إجبار الشركات العالمية بالتصنيع المحلي، علاوة على ذلك سعت إلى التحفيز المالي لمصانع السيارات، وتخفيض الرسم الاستيرادي والجمركي للمستورد الكهربائي، وإلغاء رسوم عديدة وخفض التكاليف الحكومية على المستهلكين والتوعية بأهمية التحول للسيارات الكهربائية الذي أدى إلى زيادة مبيعات السيارات الكهربائية رغم التخوف من فاعليتها مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري.