م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - المجتمع الإنساني بكليته وطوال تاريخه مجتمع ذكوري.. كثير من المجتمعات استطاعت التخفيف من تلك الذكورية لكنها لم تستطع بعد محوها بالكامل.. والقليل من المجتمعات ما زالت تمارس ذكوريتها ضد النساء بشكل فج أحياناً وإجرامي أحياناً أخرى.. ومهمة التخفيف من ذكورية المجتمع مهمة صعبة لا شك تحتاج إلى تعاون الطرفين الذكور والإناث، وهذا الأمر صعب هو الآخر.. وبالتالي فإن المقاومة لهذا التوجه عالية وقاسية، بل إن من يدعو له أو يتعاطف مع الداعين إليه يواجه بالازدراء والتشكيك في النوايا.
2 - في المجتمعات الذكورية يربون في أبنائهم وَهْم التفوق البيولوجي للذكر على الأنثى جسدياً وعقلياً ونفسياً، فينشأ ناشئ الصبيان فيهم على ما عَوَّده مجتمعه، على أساس أن فكرة التفوق هذه حقيقة ثابتة لا يشك فيها إلا ناقص عقل.. مما أبعد نقاش تلك الفكرة تماماً عن كل شخص يسعى في حياته ويشقى في سعيه لبناء أسرته، لكنه للأسف وتحت وطأة تلك الفكرة يربي أبناءه على أن الذكر خير وأقوى وأعقل من الأنثى الضعيفة العاطفية، فأصبحت تلك الفكرة من المُسَلَّمات التي لا يمكن حتى التفكير في نقاشها.
3 - في المجتمعات الذكورية يمتلئ الفتى بعد دخوله سن المراهقة بالإحساس العالي بالفوقية تجاه الفتاة، ليس لشيء حققه شخصياً، بل لا يتعدى الأمر أن المصادفة البيولوجية التي جمعت البويضتين جعلت منه ذكراً ليس إلا! ثم يكبر ويحتفظ بتلك النظرة تجاه المرأة عن قناعة تامة حتى لو كان تافهاً منحرفاً غبياً، ويؤمن أنه يستحق أن يحتل ويستحوذ على حقوق المرأة فقط لمجرد المصادفة التي جعلت منه ذكراً.. هذا الفتى المراهق كيف يمكن تصحيح مفاهيمه وتنظيف دماغه من الأوهام التي غُذِّي بها؟ هذا الفتى ومعه ملايين الفتيان في سنه هم امتداد لأجيال قبله عاشوا هذا الوهم ومارسوا كل ذلك الظلم على نصف المجتمع فقط لأنهم ذكور ولأنهن إناث.. هل يمكن أن تتصوروا مدى خسارة الإنسانية والجوانب التنموية التي ستخسرها الأوطان من جراء هذه التربية التي زرعت تلك الثقافة؟
4 - الحياة كما يقول علماء النفس هي فيما نعتقده عنها وليس حقيقتها.. من هنا كيف يمكن تصحيح المفاهيم التي تم غرسها في الذكور والإناث على حد سواء آلاف السنين من خلال الثقافة؟ هل سوف تحتاج الإنسانية إلى آلاف السنين الأخرى لنقضها وتصحيحها؟ كيف يمكن مواجهة تلك المفاهيم وقلبها رأساً على عقب؟ ثم ماذا عن الإناث اللائي يؤمن بذلك الفكر الذكوري وأنه من مُسَلَّمات الحياة ونواميسها التي لا يمكن التصادم معها؟ الحقيقة أن الإنسانية كلها وليس الإناث وحدهن أمام مهمة معقدة، فمواجهة ظاهرة جذورها تعود إلى غابر الأزمان ليست بالأمر الهين.