خالد بن حمد المالك
بعد زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل ضمن زياراته لعدد من دول المنطقة أعلن عن موقف واشنطن من الحرب ومن قيام الدولة الفلسطينية بتصريحات لا لبس ولا غموض فيها، وهي في مجملها تلبي رغبة إسرائيل، وتزيل عنها الاتهام عن شراسة عدوانها ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
* *
قال الوزير يجب أن يكون للفلسطينيين دولة، مع ما يراه من تعقيدات في تحقيق ذلك, وهو كلام تكرره أمريكا، ولكن بدون جدية، ما يفهمه الجميع على أنه كلام ليس أكثر، ودون تنفيذ، وقال إن قيام دولة جنوب إفريقيا بتقديم شكوى لدى محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل تمارس حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني غير صحيح ولا أساس له، وقال إن أمريكا ضد إيقاف الحرب في غزة.
* *
هذه التصريحات تظهر أمريكا وكأنها طرف حقيقي في حرب غزة، خاصة إذا ما قُرئت تصريحات الوزير بلينكن ضمن سياق تصريحاته الأخرى في إسرائيل وكلها صادمة، وتعني فيما تعنيه أن هناك مؤامرة كبرى لإنهاء أي أمل في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
* *
هناك ارتباك بين الإسرائيليين في التعامل مع هذه القضية الشائكة، وخلافات بينهم على ما ينبغي فعله في ظل استمرار المقاومة الفلسطينية، وهناك خلاف أمريكي - إسرائيلي على الرؤية الصحيحة بشأن آلية التعامل في مواجهة التحدي الفلسطيني، مع ما في هذه الخلافات من تأثير وتدخّل في الانتخابات الأمريكية واستثمار إسرائيل لذلك وتوظيفها لصالحها.
* *
قد لا تكون السياسة الأمريكية حازمة في التعامل مع إسرائيل على ما هو مصدر خلاف نسبي معها، ولكنها مع هذا التباين المحدود في الخلافات، فهي لا تبعد كثيراً في نظرتها كما هي إسرائيل من التخوف على مستقبل إسرائيل فيما لو قامت دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل.
* *
غير أن الخيارات المفتوحة لمعالجة هذا الصراع، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لن يغني أي خيار عن مطالبة الفلسطينيين بدولة لهم، وأي تفكير بغير هذا فلن ينهي هذه الأزمة التي تكبر كما كرة الثلج، ويصعب تطويقها بدون الأخذ بخيار تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة لهم على أراضيهم المحتلة.
* *
للأسف أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من يوجّه سياسة الغرب فيما نراه الآن ومن قبل في منع الفلسطينيين من استرداد حقوقهم، رغم إقرارها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى وكل أحرار العالم.
* *
فالحديث عن الدولة الفلسطينية يتجدد فقط مع تجدد الحروب والأزمات بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والعرب، وإذا ما وضعت الحروب أوزارها اختفى تأييد المؤيدين وغير المؤيدين لقيام دولة فلسطينية، وكأن التصريح بقيامها فقط لإطفاء نار الحرب، وللاستهلاك الكلامي ليس أكثر.
* *
الآن إسرائيل تقول إن سكان شمال غزة لن يعودوا كما كانوا يقيمون فيه، وأمريكا تقول إنهم عائدون ولكن بعد ترتيبات أمنية لضمان عدم تكرار 7 أكتوبر العام الماضي، أي منع الفلسطينيين من المقاومة، وحقهم في محاربة المستعمر المحتل، بكل الوسائل كما تسمح لهم القوانين، وهذا الموقف يبعد الفلسطينيين من الأمل في دولة لهم، ويدفعهم أمام هذا الإحباط إلى المقاومة الباسلة.
* *
حتى الدعوة إلى عدم التصعيد، ومنع القتال من أن يتسع ليشمل مناطق ودولاً أخرى كيف له أن يتحقق وأمريكا تريد استمرار القتال في غزة، فيما هي عاجزة عن تحييد الأطراف غير الفلسطينية من الانخراط في القتال، مع أن منعهم من ذلك يتحقق فيما لو توقف القتال، وبدأ العمل على تبادل الأسرى والشروع في تنفيذ خيار الدولتين.
* *
الوضع في المنطقة لا يحتاج إلى مزيد من التآمر، وإذكاء الحروب، إذ يكفيها ما يجري في لبنان وسوريا واليمن والسودان وحتى العراق وفي فلسطين المحتلة، فلا تزيدوا حجم النيران المشتعلة، وكونوا أكثر حكمة وبصيرة ورؤية واقعية، فالخسائر والمكاسب تعم، ولكن مع المكاسب يجب أن يكون التضامن والتعاون بين الجميع.