ميسون أبو بكر
في الماضي كانت الإبل مصدراً للرزق ووسيلة للتنقل في صحراء الجزيرة الواسعة التي لا يكاد ينجو من مفازتها إلا سفينة الصحراء، كذلك من وبرها صنعت بيوت البدويّ الذي كانت له غذاء ودواء، والكلام يطول عن هذا المخلوق الذي كرّمه ابن الجزيرة فجعله اليوم في رخائه رمزاً للأصالة وحكاية للماضي والتراث وثقافة الإنسان والمكان.
في مبادرة مميزة من مبادرات وزارة الثقافة السعودية أطلقت «عام الإبل» على عام 2024 ترسيخاً لمكانتها وباهتمام الدولة بتراثها وموروثها وهُويتها التاريخية، إذ إنها تحرص على استحضار الماضي في قلب رؤيتها وعز ازدهارها، فقبل أيام تغنى السعوديون بصور أميرهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتداولوها وهو يستقبل وزير الخارجية الأمريكي والوفد المرافق في خيمته في العلا التاريخية في أجواء تراثية تعكس أصالة المكان وحضور الماضي عزيزاً على حاضر مشرق بأبنائه الذين يعتزون بماضيهم وهويتهم.
إضافة للأهمية التاريخية للإبل فإن «عام الإبل» يركز كذلك على الأهمية الاقتصادية والسياحية لهذا الكائن الذي يعتبره مربوه العمود الفقري لحياتهم.
اهتمت به الدولة على نطاق سباقات الهجن ومسابقات جمال الإبل التي تحظى بين مربيها بحضور مهم واهتمام كبير.
ولعل الآية الكريمة {أَفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإِبلِ كَيفَ خُلِقتْ} هي دعوة للتفكر في هذا المخلوق العجيب الذي تغنّى به الشعراء ووصفوه بأجمل الوصوف التي شرحت علاقتهم الوثيقة به.
فقد أنشد فيها الشاعر محسن السبيعي:
اللي خلقها الله وزيّن تصويرها
ضرب بها الأمثال في محكم كتابه
قبل السماء والأرض هي وغيرها
وقبل الجبال الراسيات الشوامخ
من بين لحم ودم أخرج دريرها
يا زينها لا هجدت ليل ربعها
كذلك الشاعر الجزل الذي فرحنا بتكريمه قبل أيام بجائزة التميز الإعلامي خلف بن هذال العتيبي من أبياته:
في نون عيني بارق الوسم لايح
كن السحاب تسل فيها السناقي
إن عوّدوا غب المطر للفلايح
مانيب فلاحٍ يعدّل سواقي
عوّدت للي يكسبن المدايح
فيهن طرب قلبي ولذة مذاقي
والكثير من القصائد، وقد ورد ذكر هذا الكائن في القرآن الكريم بألفاظ كثيرة كالإبل، العير، الناقة، الهيم - الإبل العطاش-، البدن، الجمل، البعير، الأنعام، الحام -فحل الإبل- ، السائبة، البحيرة- ابنة السائبة- والوصيلة- الناقة البكر-.
والإبل التي لم تغفل أهميتها وزارة الثقافة ومدى ارتباطها بإنسان المملكة ووجدان المجتمع السعودي جعلتها من ضمن قائمة الأعوام الثقافية التي وضعتها الوزارة في خططها الاحتفائية كعام القهوة السعودية وعام الشعر العربي، وعام الخط العربي، انطلاقاً من خطط الوزارة التي تتكئ على رؤية المملكة للتعريف بموروثها الثقافي الأصيل في مجالات عدة والتي صاحبتها جهود عظيمة لم تقتصر على الحضور محلياً أو عربياً، بل عالمياً، فقد التقيت بالكثير من الأشخاص المتابعين لرؤية المملكة الذين تابعوا الأفلام القصيرة المؤثّرة عن كل احتفالية ورسخت في أذهانهم قصة القهوة السعودية وطرحوا علي الكثير من الأسئلة عنها.
تحية لوطن يحتفي بماضيه ويعتز بتراثه، تحية لوعي أهله وتظافر قطاعاته المختلفة للتحليق به لفضاءات العالم.