د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح
[مسائل من كتاب سيبويه]
هي مسائل وقعت لي من المحكِّمين الفاحصين تخصُّ سيبويه وكتابه، أحببت أن أمثِّل بها لتكوِّن مشاهد في ذلك، وتكون شواهد عليه.
- مسألة: سؤال التَّلميذ لشيخه.
كان لي تعليق على قول الأخفش لمَّا سئل عن معنى قولةٍ ذكرها سيبويه في كتابه، فقال: أنا مذ ستين سنة أسأل عنها فما وجدت أحداً أجاب عنها، وذكرت أنَّ المتأمِّل في ذلك ليستدلُّ على عدم اطِّلاع الأخفش على كتاب سيبويه كاملاً في حياة سيبويه، وأنَّه لو اطَّلع لأشكلت عليه تلك القولة، ولسأل عنها سيبويه صاحب الكتاب= علَّق الفاحص المحكِّم على قولي هذا، بأن ذلك لا يلزم منه؛ لأنَّ التَّلميذ قد يترك سؤال شيخه لأسباب كثيرة، واكتفى? الفاحص بذلك، ولم يذكر من الأسباب الكثيرة ولو واحداً.
أقول: هذا من العموميَّات إذ لم يعدِّد الفاحص المحكِّم من الأسباب الكثيرة سبباً واحداً، فهذا كلام غير مقنع، ولو قيل مثلاً: حياءً خجلاً هيبةً، يقال: ذاك يكون من التِّلميذ الصَّغير تُجاه أستاذه، أمَّا من كان أسنَّ من أستاذه، وفي أمر أشكل عليه وهو يطلب العلم عنده، ومسألة في كتاب شيخه، وشيخه هو الَّذي يعرض عليه ممَّا يكتبه؛ فأن لا يسأله مستبعد جدّاً؛ لأنَّ أستاذه يعدُّه من أصفيائه لا من تلامذته؛ لذا هو يعرض عليه ما يكتبه، وكذلك الأستاذ نفسه استصفاه وطلبه بعد ما كسرته زنبوريّة بغداد لاستخلاصه إيَّاه لنفسه.
والمعتاد في مثل ذلك أنَّ الأستاذ هو الَّذي يغتفر لمن كان من طلابه مَن هو أسنُّ منه تجاوزاتِه إن وقع منه تجاوز بسؤال في غير محلِّه أو في غير وقته، هذا بخلاف الصَّغير الَّذي ربما عوقب لتجاوزه تأديباً له.
- مسألة: الاطَّلاع على كتاب سيبويه في حياته.
قد لاطفت قولاً حسبما اطَّلعت عليه من المصادر أن ليس أحدٌ اطَّلع على كتاب سيبويه كاملاً، وهذا هو المشتهر والصَّحيح، والمصحَّح عند أهل الصَّنعة أنَّ أحداً قرأ الكتاب كاملاً على سيبويه، فالاطِّلاع والقراءة كاملين ممتنع على الكتاب في حياة سيبويه، وكنت شارعاً في مناقشة قولة: «ما أغفله عنك شيئاً» عند سيبويه، وقد نزعت إلى عدم معرفة الأخفش بها دليلٌ على أنَّه لم يقرأ الكتاب على سيبويه مع لصوقه بسيبويه، وهو وإن اطَّلع على شيءٍ منه، وهو ما كان يعرضه سيبويه عليه لم يطَّلع عليه كاملاً. وقد اعترض الفاحص المحكِّم بأن ذكر أنَّ الأخفش قرأ الكتاب في حياة سيبويه، وقال: لا بدَّ أنَّه سأله عن هذه القولة.
وأقول: هذا الاعتراض غير صحيح، بدليل قول الأخفش عن هذه القولة: إنَّه مذ ستين سنة يسأل عنها فلم يجد له مجيباً، فقراءة الأخفش لكتاب سيبويه كاملاً في حياته هذه دعوى? بلا دليل، والبُديَّة بعدها ظنٌّ أو تظنٍّ، وهي دعوى? أخرى? غير حالية بدليلٍ خالية من البرهان، وينقض هاتين الدَّعويين حيرة الأخفش في هذه القولة، فقد ذكر أنَّه سأل عنها الأصمعيَّ ويونس وأبا زيدٍ ولم يذكر أنَّه سأل سيبويه ولا الخليل، فإن كان دليل المحكِّم رواية الأخفش في مقدِّمة (هارون) من أنَّه كان يعرض عليه سيبويه ذيت وذيت فليست بدليلٍ؛ لأنَّ ذلك مبالغة قول، وهو دليل التَّحفِّي من سيبويه بتلميذه الأخفش، وهذا في المبالغة منه كقوله عن القولة في الرِّواية الأخرى: أنا مذ ولدت أسأل عن هذا القول، وهذا معلوم أنَّه من إيغال المبالغة.
- مسألة: وضوح الكتاب وسلامته من العيوب أبداً.
اعترض المحكِّم على ذكري أنَّ كتاب سيبويه فيه غوامض وذكر أنَّ العلماء تنخَّلوا الكتاب فلم يدعوا فيه شيئاً إلَّا كشفوه وبيَّنوه، فلا غلط فيه، ولا نقص، ولا زيادة، ولا تصحيف.
وأقول: كتاب سيبويه ما زال محتاجاً للشَّرح والإيضاح، وفيه خبايا ثمينة ودلائل دقيقة في أحكام العربيَّة، ولو كان كلامي غير صحيح، والكتاب واضح لما احتاج السَّيرافيُّ، وهو من المتقدِّمين للتَّطويل والبسط في شرحه ولا أبو عليٍّ في تعليقته، وكذا من المعاصرين الشَّيخ د. عضيمة لما احتار في دفع التَّعارض عن بعض مسائل في كتاب سيبويه قيَّدها في أوَّل كتابه (فهارس كتاب سيبويه)، ولاطف الخالفين له عسى أن يأتي أحد منهم يفكُّ هذا التَّعارض ويدفعه، وقد صنع ذلك د. بهاء الدِّين. [متبوع]