خالد الأنصاري
بدأت ُمسيرتي مع الكتابة الصحفية منذ وقت مبكر من حياتي حين كنت طالباً في المرحلة المتوسطة، فأكتب العديد من المقالات بين الفينة والأخرى لمجلة ( شعاع المعرفة) وهي مجلة شهرية حائطية بسكن الطلاب في دار الحديث المكية التابعة للجامعة الإسلامية عام 1409هـ.
وما لبثت حتى أصبحت محرراً لها وأستكتب بعض الزملاء من أجد فيهم القدرة على الكتابة؛ والتشجيع لبعضهم ممن ألمس فيه الحب للكتابة والرغبة فيها.
إضافة لكوني قد نشأت في بيئة إعلامية محبة للعلم والكتابة، فأخي الأكبر الأستاذ عبدالرحمن الأنصاري كان مدير تحرير لصحيفة المدينة ومستشاراً للمجلس الأعلى للإعلام، ثم مستشاراً إعلامياً بوزارة الداخلية، وكذلك صهري الأستاذ موسى الأنصاري -رحمه الله - والذي عمل محرراً للصفحة الإسلامية بصحفية المدينة أكثر من 25 عاماً.
وكان يوم الاثنين أو الخميس من أحب الأيام إليّ للكتابة فأعكف فيهما لإنجاز مقالي؛ ثم أخمره بعد الفراغ منه، وأعود له اليوم الثاني لقراءته ومراجعته والإضافة عليه قبل إرساله للنشر في الصحيفة أو المجلة.
وكان لدي شغف في بداية الكتابة أن أقوم بطباعة المقال بنفسي على «الآلة الكاتبة» اطمئناناً على سلامته وخلوه من يد عابث.
وقد اقتنيت أول «آلة كاتبة» عام 1408هـ وكانت باهظة الثمن بالنسبة لطالب في سني ويدرس بالمرحلة المتوسطة وقتها، وتدربت عليها «بالنقر» وتعلمت كيف أضع الورق وشريط «الحبر» ذا اللونين الأسود والأحمر.
وفي الليالي الشتويّة بالذات دون غيرها كثيراً ما أدلف لمكتبتي حاملاً معي كوباً من الشاي بالحليب وأجلس بمكتبي مقابلاً «للآلة الكاتبة» فأقوم بتهيئتها للكتابة وذلك بمسحها ورفع غطائها ومراجعة شريطها الحبري؛ وتلقيمها الورق استعداداً للكتابة.
وأستمتع وقتها بالنقر عليها والاستماع لصوتها والذي يقرع سمعي دون كلل أو ملل؛ وكأنه يشبه الإيقاع الوزني العروضي.
ويغلب على «المقالات» التي أكتبها الطابع الشرعي والأدبي، والصبغة الاجتماعية والإصلاحية، وهذا الأسلوب أقرب إلى نفسي وأحب الأساليب إليّ في الكتابة الصحفية، وقد تعودت عليه منذ الصغر أثناء الكتابة التعبيرية في المرحلة الابتدائية؛ و»لكل امرئ من دهره ما تعوّدا».
والفضل يعود في ذلك لله سبحانه وتعالى ثم لمدرس مادة «التعبير» الأستاذ عبدالله البكري بمدرسة أبي موسى الأشعري لتحفيظ القرآن الكريم بمكة آن ذاك.
وأجد في الانهماك في «القراءة والكتابة» بحمد الله عزَّ وجلَّ متعة بالغة عبر مدادها وحروفها وكلمتها وسطورها؛ ولا سيما عند الإمساك بالقلم، والبداية في التأمل بوضع الكلمات على الأوراق، والعودة بالذاكرة لمخزون القراءة ومخرجاتها فهي مركز الإبداع في حياة كل كاتب وعاشق للحرف والقلم، ومصدر الإلهام ووقود الكتابة.
وإنني مدين شخصياً في بداية مشواري الإعلامي لأستاذنا الأديب حمد بن عبدالله القاضي فقد وجدت منه التشجيع المادي والمعنوي أثناء كتابتي في « المجلة العربية» منذ عام 1418هـ حتى ترجَّل عن رئاسة تحريرها فتوقفت عن الكتابة فيها ولسان حالها يقول:
تبكي المجلة في عليائها حمداً
وتشتكي لهفة من عبق ماضيها
ثم انتقلت للكتابة في صحيفة المدينة في الصفحة الإسلامية والتي كان يشرف عليها الأستاذان الفاضلان إبراهيم سرسيق ومحمد خضر عام 1421-1423هـ وكنت مقلاً في الكتابة ذلك الوقت لانشغالي في الطلب والتأليف، ثم انقطعت عن الكتابة الصحفية حتى عام 1432هـ وعدت للكتابة في «ملحق الرسالة» بالصحيفة نفسها والذي يشرف عليه الأستاذ ساري الزهراني وكان حريصاً على تطوير الملحق وتجديده فرحب بي ككاتب فيه ولسان الحال يقول له:
أهلاً وسهلاً بمن بالحب حياني
وبـارك الله فـي فكر وتبيانِ
لا خير في ملحق لا عـلم يعمره
فاعمل بصدق لذاك العالم الثاني
وقد كان خير دافع ومشجع لي في أداء رسالتي الإعلامية والدعوية من خلال المشاركة في هذا المنبر الإعلامي والدعوي «الرسالة».
وكان لي شرف التجاور أحياناً على صفحاتها مع بعض عمالقة القلم ورواد العلم والمعرفة من العلماء والأدباء والدعاة إلى الله تعالى.
ومكثت أكتب العديد من المقالات في هذا الملحق المبارك وفي ملحق «الأربعاء» الأدبي حتى نهاية عام 1434هـ حين أرسلت يوماً من الأيام إحدى المقالات التي لم تنشر بالصحيفة لنشرها بصحيفة الجزيرة بدلاً من أن تبقى حبيسة الأدراج، فتم نشرها؛ فأرسل لي الأستاذ ساري، ابن العم الأستاذ عبدالصمد الأنصاري والذي يعمل بقسم التصحيح معاتباً حتى ظننت أنني ارتكبت جرماً؛ ومن يومها لم ينشر لي أي مقال بملحق الرسالة وكانت هذه القصة بمثابة الوداع للملحق وقلت في نفسي لعل في ذلك خيرا من حيث لا أعلم.
وأكملت بعد ذلك مشواري مع صحيفة «الجزيرة» بنشر أكثر من 62 مقالاً في صفحة «وجهات نظر» وإلى يومنا هذا -ولله الحمد والمنة - ما زلت أكتب بـ»الجزيرة» وأعد نفسي أحد أبناء هذه الصحيفة المرموقة بكتابها وإصداراتها الثقافية وأشعر بالفخر والاعتزاز لانتمائي إلى منظومة الكتاب في هذه الصحيفة العريقة والمتميزة ولسان الحال يردد مع مؤسسها:
تلك «الجزيرة» طابت في محاسنها
أكرم بها قمة أربت على القممِ
صحيفة الفكر أربـى فـي معالمه
تسقـى ثقافته مـن بارد شبمِ
ومع ظهور الصحف الإلكترونية طلب مني الأستاذ القدير علي بن هشلول المشاركة في الكتابة بصحيفة «أزد» الإلكترونية وكنت أرسل له بعض المقالات إضافة للتي تم نشرها بـ»الجزيرة» فيقوم مشكوراً بنشرها.
ثم واصلت الكتابة في عدد من الصحف والمجلات الورقية كصحيفة مكة ومجلة الدعوة، والبيان؛ وبعض المواقع الإلكترونية كصحيفة روافد ومكة وموقع المختار الإسلامي وموقع السكينة، حتى يسر الله تعالى أن أنشئ موقعاً إلكترونياً يجمع شتات تلك المقالات وبعض المؤلفات والبحوث العلمية والخطب والمحاضرات والذي وسمته بـ «شبكة رحاب مكة».
وقد أضحت الكتابة - ولله الحمد والمنة- جزءاً لا يتجزأ من حياتي؛ فقد عشت في ظلال القلم والحرف أزهى لحظات العمر متنقلاً بين المقالة والتأليف سائلاً الله عزَّ وجلَّ أن يتقبل مني كل ما أكتبه وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم؛ ولا أزال أواصل مشواري مع الكتابة محتسباً الأجر والثواب من الواحد الوهاب.
إضاءة:
إياك أن تترك الكتابة ما دام قلمك في يدك لا تضعه إلا حين يُسقطهُ منك الأجل.