د.م.علي بن محمد القحطاني
منذ أمد بعيد وأمانة جدة في حالة حرب مستمرة مع الآفات وما تكاد تخرج من معركة حتى تدخل أخرى، أعني بهذه المعارك مجازاً عقود ماليه تتراوح مدتها ما بين ثلاث إلى خمس سنوات فقبل ما يقارب عشرين عاماً خصصت إحدى معاركها على مكافحة الغربان بشكل خاص بعد أن استوطنت جدة وتكاثرت بأعداد كبيرة ويبدو أن كلا الطرفين آثر السلامة بعقد هدنة غير معلنة ليستجمع كل منهما قواه ويغيّر في خططه وإستراتيجياته وترتيب أولوياته واستمر الحال طيلة هذه السنوات حتى طال أمد الحرب وبدون ظهور أي بوادر للنصر لأي من الطرفين فما زلت الغربان موجودة وفي الطرف المقابل ما زالت الأمانة مستمرة في حربها، حيث يبدو أنها مقتنعة بما حققته من مكاسب حسب رأيها وبفعالية خططها ونجاعة أسلحتها التي يؤكد الوضع على الطبيعة أنها مجرد حبر على ورق ولكن في خضم انشغالهم بتلك الحرب الهزلية ونتائجها المبهرة والمتميزة في التقارير المدعومة برسوم بيانية بألوان زاهية برّاقة شاخت العروس قبل أوانها وأصبحت تئن تحت وطأة أجنحة الحمام وأقدام القطط وتحالفها غير المعلن مع الفئران بعدم الاعتداء نتيجة خطأ فادح من مسيري تلك المعارك بتوفير غطاء لوجستي من الأمانة باستبدال حاويات النفايات بأخرى ذات أحجام كبيرة والتي غالباً ما تكون مفتوحة طول الوقت، فبالإضافة لحجمها الكبير وتأثيرها السلبي على حركة السير والمواقف في الأحياء المكتظة أساساً بالمركبات إلا أنها بهذا الشكل توفر سلاسل إمداد مستدامة لتغذية تلك الآفات ولا يوجد تفسير لتغيير حجم تلك الحاويات إلا محاولة تغطية عجزهم عن تفريغها في الوقت المناسب مما يؤدى إلى تكدس النفايات حول تلك الحاويات بروائح تزكم الأنوف وأضرار جسيمة على البيئة والصحة العامة بالإضافة لما تمثِّله من تشوّه مركب بصري وبيئي وصحي كونها تشكّل عنصر تشوّه للمنظر العام في الوقت الذي تسعى فيه الأمانات جاهده لتحسين المشهد الحضري والحد من التشوّه البصري في المدن.
ومما يزيد الطين بِلَة ما تخلفه الأمطار مهما كانت خفيفة من تجمعات للمياه في العديد من البرحات والأراضي البيضاء والتي تصبح مرتعاً لتوالد العديد من الآفات والميكروبات والحشرات ومنها البعوض وتكاثره مما سيؤدي لتفشي حمى الضنك وعودتها للواجهة مرة أخرى، فعلى الرغم من نجاح الأمانة النسبي في سرعة سحب المياه من الشوارع الرئيسية ومحاور المحافظة فإنها قد تستعين بهذه البرحات لتفريغ مياه الشوارع والأنفاق القريبة فيها وتتركها لعوامل الطبيعة لتجفيفها ولكن هذه الطريقة قد تستغرق وقتاً أطول من دورة حياة البعوض لتتكاثر وتعيد انتشارها وكأنك يا أبو زيد ما غزيت مما يستوجب سرعة شفط وسحب تلك المياه وعلى الجهات المسؤولة عدم الاكتفاء بإلزام ملاك تلك الأراضي بتسويرها أو فرض الرسوم النظامية عليها، بل تحميلهم مسؤولية كل ما من شأنه إلحاق الضرر أو التسبب في تدمير بيئة المدينة وصحة مجتمعها وخصوصاً المجاورة لتلك الأراضي والبرحات وفي نفس الوقت إعادة النظر في أحجام الحاويات وانتظام تفريغها وإيجاد حلول جرئية للحد من زيادة أعداد القطط في المدينة ومنها الرفع لهيئة كبار العلماء للحصول على فتوى في الآليات والوسائل المقترحة من الأمانة لتقليص تلك الأعداد الكبيرة من القطط والحد من تغذية بعض السكان لها، بل وصلوا إلى درجة شراء أجود أنواع الأغذية المخصصة للقطط.
ومن وجهة نظري هناك فهم خاطئ لحديث البغي التي سقت الكلب (فغفر الله لها)، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت» وهو فهم قاصر في غير محله حسب اعتقادي ولست هنا لأحلل وأحرم، بل أذكر وقائع تحتاج إلى توضيح ثم توعية يشارك فيها الجميع مدارس، مساجد، منشآت صحية، وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، حيث أصبحت هذه الآفات من غربان وحمام وقطط وفئران وما صغُر وخفي أعظم مزعجة بشكل كبير للسكان ولك أن تتخيل أعداد تلك الآفات التي هجرت المناطق المزالة في المدينة بحثاً عن مصادر الغذاء والماء في الأحياء المأهولة ولا نغفل سرعة تكاثرها، وكالعادة أبحث عن الإنسان في كل ما يخل ويهدد التوازن البيئي في كوكبنا، حيث تَكْمُن أهمية التوازن البيئي في الحفاظ على استمرارية حياة الكائنات الحيَّة على الأرض عن طريق تفاعلها الدائم مع البيئة عبر دورة متوازنة، إبداع صنعها الله سبحانه وتعالى بنظام رباني متكامل قال الله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (النمل: 88).