عبدالله إبراهيم الكعيد
أظن بأن معظم الناس هنا لم يسمعوا بمصطلح «الوقت بدل الضائع» إلا من خلال وصف مجريات مباريات كرة القدم. كان المعلّقون يقولون عن الوقت الذي يتم إهداره من قبل اللاعبين عمداً أثناء اللعب أو أثناء إصابة أحد اللاعبين ويتم احتسابه من قبل الحَكَمْ يقولون عنه «الوقت الضائع» فتم تصحيح القول، إذ الوقت بذاته لا يضيع.
لماذا يقول الناس إذاً وقت ضائع؟ وكيف يضيع الوقت والحياة برمتها وقت، بل وقت قصير يتحسَّر الإنسان لاحقاً على انصرامه، والمحظوظ هو من يستثمر ذلك الوقت بوعي وإدراك وأن قيمته لا تقدّر بثمن فمن ذا الذي يبيع عمره أو جزء منه؟
صانع الخزف «سيريانو ألغور» أحد أبطال رواية «الكهف» للروائي النوبلي جوزيه ساراماغو بعد أن شرد ذهنه وهو يقود شاحنته الصغيرة مرّ على ابنية تُهدم ويريد تعويض الوقت الضائع يقول: هذه كلمات خرقاء بين أكثر الكلمات خراقة، عبارة سخيفة نظن أننا نخدع بها الواقع القاسي الذي لا يمكن فيه تعويض أي وقت ضائع، كما لو أننا نظن خلافاً لهذه الحقيقة أن الوقت الذي اعتبرناه ضائعاً إلى الأبد قد قرَّر البقاء متوقفاً وراءنا.
نعم الوقت لا ينتظر أحداً ولا يتخلّف عن أحد فكيف يمكن وصفه بالضياع؟ ربما لو قلنا إن أحدهم أضاع وقته بما لا فائدة منه البتّة فنكون بذلك قد أنصفنا الوقت وسددنا الكُرة في مرمى من أضاعه. يعود صانع الخزف للحديث مع نفسه وهو ينظر إلى ميناء ساعته التي عادت مجدداً لتكون عقارب ساعة حقيقية ومنصاعة قال: إنني ضمن الوقت المناسب. وكان محقاً فهو ضمن الوقت، في الوقت، على الوقت، وليس خارج الوقت.
ألا نقول أتى في الوقت المناسب وقد لا نعني الوقت المحسوب المتعارف عليه بالدقائق والساعات فلربما نعنى الزمن المناسب أو التوقيت المناسب إنما لا نقول أتى في الوقت الضائع فقد يكون أحدهم متأخراً عن الموعد المحدد أو أتى قبل الوقت المتفق عليه وهو الوصف المناسب فيما أراه يعبّر بشكل صحيح.
وضمن هذا السياق يصف البعض الالتزام بالوقت بتوقيت (غرينتش) وهو حسب موسوعة (ويكيبديا) مقياس زمني يعتمد على دوران الأرض حول نفسها في يوم واحد بالاعتماد على خط الطول الذي يمر في بلدة غرينتش في بريطانيا والذي أعتمد نقطة مرجعية للتوقيت، إذ هو المقياس الزمني عند نقطة الصفر. وحين يعتقدون بدقة توقيت غرينتش فلأنهم ربما خلطوا بينه وبين ساعة (بق بن) التي يضبط البعض ساعته على توقيتها.
هل في توقيت غرينتش أو ساعة بق بن شيء اسمه وقت ضائع؟ لعلي أعود مرة أخرى لأبحث عن موضوع ضياع الوقت وحين أجده تائهاً كالطفل يسير بلا هُدى في شوارع العالم وأزقتها فسأسلّمه فوراً لمن يبحث عنه.