د.شريف بن محمد الأتربي
لم يعد الابتكار حكراً على العقول البشرية المميزة فقط، ولكن البشر أنفسهم اخترعوا من التقنيات ما فاقت في حلولها الابتكارية قدرة البشر أنفسهم على الابتكار.
بدءاً من ظهور الأقمار الاصطناعية، وأجهزة الحواسيب، وشبكة الإنترنت، وانطلاقاً إلى الروبوتات والذكاء الاصطناعي؛ كان الإنسان هو محور التغيير الذي يطرأ على سوق التقنيات ويؤثر فيها إيجابياً، حتى ظهر الذكاء الاصطناعي، وبدأ في إزاحة الإنسان من مقعده والحلول محله، حتى بات مهدداً لكل ما هو بشري على ظهر الكوكب، وأصبح وحشاً يلتهم كل ما يصل إليه من معرفة أو ينتجها بنفسه ليكون هو رقم (1) في عالم التفكير والإبداع.
الذكاء الاصطناعي (AI) هو واحد من أكثر التقنيات المبتكرة والمثيرة للاهتمام في العصر الحديث، ويشير إلى قدرة الأنظمة الكمبيوترية على تنفيذ مهام تعتبر تقليداً للذكاء البشري، مثل التعلم والتفكير واتخاذ القرارات والتفاعل مع البيئة المحيطة.
تعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مصدراً هائلاً للابتكار في كافة المجالات التي تعمل عليها، فهي تساعد في تحسين العمليات الصناعية والتجارية، وتعزز الرعاية الصحية والطبية، وتسهم في تقدم النقل والمواصلات، وتحسن تجربة المستخدم في الخدمات الرقمية، وتساهم في تطوير الروبوتات والأتمتة، وتدعم البحث العلمي والاكتشافات الجديدة، وتساهم في حل المشكلات الاجتماعية والبيئية.
يستند الذكاء الاصطناعي على العديد من الأسس النظرية والتقنيات الحاسوبية المتقدمة، مثل: تعلم الآلة (Machine Learning)، والشبكات العصبية الاصطناعية (Artificial Neural Networks)، وتعلم العميق (Deep Learning)، ومعالجة اللغة الطبيعية (Natural Language Processing)، والاستدلال المنطقي (Logic Reasoning)، وتحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics)، والروبوتات والذكاء الروبوتي (Robotics and Robotic Intelligence)، وغيرها.
من بين الاستخدامات الرئيسية للذكاء الاصطناعي هو تحليل البيانات واستخلاص الأنماط والتوقعات منها، فيمكن للأنظمة الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قصير، واكتشاف الاتجاهات والنماذج التي يصعب اكتشافها يدويّاً مما ُيمكن الشركات والمؤسسات من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر دقة بناءً على المعلومات المستندة إلى البيانات.
علاوة على ذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة المستخدم في العديد من المجالات، على سبيل المثال: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحسن ويتعلم من تفاعلات المستخدمين مع الأجهزة والتطبيقات والمواقع الإلكترونية، وبالتالي يقدم توصيات وخدمات مخصصة بناءً على احتياجاتهم الفردية. وهذا يؤدي إلى تحسين تجربة المستخدم ورفع مستوى الرضا والولاء.
من الجوانب الأخرى التي يساهم فيها الذكاء الاصطناعي في الابتكار من خلال تطوير الروبوتات والأتمتة، حيث يمكن للروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي أن تقوم بمهام متنوعة ومعقدة تساهم في تحسين الإنتاجية والكفاءة في مجالات مثل التصنيع والخدمات اللوجستية، والطب، والزراعة، وغيرها. كما يمكن للروبوتات الذكية أن تكون شركاء في العمل والتفاعل مع البشر بشكل آمن وفعال.
إحدى الطرق التي يساهم بها الذكاء الاصطناعي في الابتكار أيضاً، هي تحسين قدرة الأنظمة الكمبيوترية على معالجة وتحليل البيانات بكميات هائلة وبسرعة كبيرة، على سبيل المثال في مجال الصحة، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية والتشخيص السريع للأمراض واكتشاف العلاجات المحتملة، ويمكن أن تساعد الأنظمة الذكية في تحليل صور الأشعة والتشخيص التلقائي للأمراض المعقدة، وبالتالي تقديم رعاية صحية أفضل وأكثر فعالية.
كما يمكن أن يدعم الذكاء الاصطناعي عملية التصميم والتطوير في مجالات مثل التصميم الصناعي والهندسة المعمارية، حيث يمكن للأنظمة الذكية أن تؤدي وظائف محددة مثل تصميم المنتجات أو التوصية بتحسينات في تصميم الهياكل المعمارية، مما يسهم في تسريع عملية الابتكار، وتقديم منتجات، وخدمات جديدة، ومبتكرة.
يجب أن نلاحظ أن الابتكار ليس مقتصراً على الذكاء الاصطناعي فقط، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تسهم في عمل الابتكار، مثل الإبداع البشري والبحث، والتجارب، والتفاعلات الاجتماعية، والاقتصادية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لتعزيز الابتكار، ولكنه لا يستبدل القدرات الإبداعية والتفكير البشري، فالجمع بين قدرات الذكاء الاصطناعي، والإبداع البشري هو ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج مثيرة للإعجاب في مجالات الابتكار والتطوير.
إن الذكاء الاصطناعي هو تقنية قوية تساهم في الابتكار والتطوير في مختلف المجالات، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن العمليات والخدمات، ويساهم في اتخاذ القرارات الذكية، ويدعم التطور الاقتصادي والاجتماعي، ومع التقدم المستمر في هذا المجال، يمكننا توقع المزيد من التطورات والابتكارات المثيرة في المستقبل.
إن الابتكار والذكاء الاصطناعي تربط بينهما علاقة وثيقة تتغاير تبعاً للسياق والتطبيقات المحددة، حيث يعزز الذكاء الاصطناعي الابتكار ويوفر فرصاً جديدة لتحقيق التقدم والتطور في مختلف المجالات.