علي الخزيم
- صورة ونموذج لمظاهر الكرم الباذخ؛ بل هي بحقيقتها ادعاء لصفة الكَرم، فالفاعل على ما يبدو مِمَّن رزقه الله سبحانه المال دون حسبان بأي ظرف وسبب، غير أن هذا (الشاطح) حين وجَد المال لم يَرعَ حقه ولم يَصُن كرامته وكرامة ذاته هو، ما يبرهن بأن المال إذا كان بيد من لا يُثمّنه ويُقَدر قيمته كان وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة.
- فقد تمّ مؤخراً تداول مقطع مُصور على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر عدداً من الصيوانات والسُّرادق (خِيَم كبيرة تُنصَب للمناسبات الكبرى) تضم موائد الأطعمة والفواكه والحلويات والتمور، واللافت أنها قد صُفَّت وأُعِدَّت بعناية وأشكال هندسية تدل على أن القائمين عليها قد استعانوا بذوي الخبرة لتنظيم المناسبة، ويُفهم من عبارات الترحيب بالمقطع أنها أقيمت بموقع شمال المملكة.
- لم أكُنْ وحدي من امتعض واستاء من مشاهد الموائد والتَّنوع الباذخ بصنوف المآكل والمشارب بالشريط المتداول، بل إن كثيراً من المُعلقين قد أدلوا برأيهم المُعبّر عن الاستنكار لهذا السَّرف والتبذير غير المُبرر، إذ يمكن إظهار الكرم ودعوة الأحباب والأصحاب والأهلين (بالتَّبسّط والتَّوسط) على أقل من هذا بكثير وتقديم ما يليق بالقوم من أصول الضيافة والتكريم، وألَّا يتعدى الأمر حدود الاتزان والاقتصاد بالضيافة.
- وقد دعا عدد مِمَّن شاهدوا وعَلَّقوا على (الفيديو) المتداول لسَن أنظمة وقوانين لمحاسبة من يفعلون كهذا الفعل؛ كونه عملاً غير عقلاني أو كما قال بعضهم (من عمل السفهاء) الذين لا يستحقون إدارة الأموال؛ بحيث يقوم عليهم بالإشراف ومراقبة أفعالهم من عقلاء أُسرهم أو الأقارب، كما دعا البعض إلى تدخل عِلَية القوم وأهل الرأي بذاك المحيط الاجتماعي لمنع تكرار مثل هذا الاستعراض الباهت بالكرم المُصطنع.
- يُمكن الإشارة إلى عدد من السلبيات التي يتضمنها المقطع المُصَوّر - وغيره من أشكال التباهي الزائف - بإقامة المناسبات والمبالغة بالموائد وما يصاحبها من الزينة والورود والطِّيب بما يزيد عن اللازم والحاجة، نعم فهناك من يَغسل يد الضيف المُكَرَّم بعد تناول الطعام بدُهن العود وماء الورد الفاخر إمعاناً بالتكريم، وإن رأى البعض أنه حُر بالتصرف بماله وطريقة إكرام ضيفه؛ فالأجدر على الأقل ألَّا يُذيع وينشر مثل هذا الفعل على الملأ.
- وهل يغيب عن بال وعقل صاحب المأدبة العامرة بالملذات والروائح الراقية باهظة الثمن أن مِمَّن يشاهدون تصويره وبَثَّه لمناسبته التكريمية لضيوفه؛ مَن لَم يشم رائحة العطور منذ العيد الماضي بين أقاربه وليس بملابسه؟ وأن منهم من لم يُشاهِد أصناف تلك الحلويات إلَّا عبر صور الإعلانات الترويجية؛ أمَّا أن يذوقها فهذا مُجرد خيال يراوده ليس من أجله؛ بل لأطفاله الذين يسمعون بمسمياتها ولا يدركون كنهها.
- وثمَّة من يَخشَى من الفَهم الخاطئ لدى من يشاهد مثل هذه الصور المتداولة بالخارج؛ فتُقرأ على أنها كمناكفة لأصوات أخَذَت تُردد مزاعم باطلة بحقها بجزء من ثرواتنا (كمن ادعوا بنصيبهم من الذهب المُكتشَف مؤخراً)، أو يتوهمون أن أصحاب المقاطع قد تَعمَّدوا نشرها خارج النطاق لمعانٍ سلبية مقصودة.