د. محمد بن أحمد غروي
دخلت أزمة ميانمار عامها الثالث منذ انقلاب السلطة العسكرية في البلاد على حكومة المستشارة أونج سان سو تشي، والتي سببت للدولة فقيرة الموارد عزلة دولية ونبذًا من لدن جاراتها في جنوب شرق آسيا، فأغلقت العديد من حكومات دول العالم أبوابها في وجه السلطة العسكرية الحاكمة، مع فتح نافذة صغيرة للتواصل غير المباشر مع الجنرال مين أونغ هلايينغ القائد الأعلى للقوات المسلحة والمجلس العسكري الحاكم. رابطة آسيان ألزمت الانقلابيين باتفاق البنود الخمسة منذ عام 2021 الذي يقضي بالوقف الفوري للعنف في ميانمار وإقامة حوار بنّاء بين جميع الأطراف وتيسير الوساطة لمبعوث آسيان والسماح بالمساعدات الإنسانية القادمة من الرابطة إلى جانب التصريح بزيارة المبعوث الخاص والوفد إلى ميانمار، ولم يحصل ما سبق لتحظرآسيان الحكومة العسكرية التي تمسك بزمام السلطة من المشاركة في اجتماعات الرابطة منذ العام الماضي، مع فشلها في الوفاء بالالتزامات المتفق عليها في خطة السلام.
رئاسة إندونيسيا لرابطة دول جنوب شرق آسيا العام الماضي عملت بشكل ملحوظ في حل الأزمة دون جدوى، فقد طالب الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، دول آسيان وقادتها بلعب دور أكثر فاعلية في حل الصراع القائم بميانمار من خلال الحوار بعيدًا عن العقوبات، فالكتلة الإقليمية لن تكون وكيلًا لأي شخص مع وجود رغبة آسيان الصادقة للانفتاح والتعاون لحل مشكلات الأعضاء. من الواضح أن دول آسيان قد تأثرت بالأزمة في ميانمار في جوانب عدة يبقى أهمها تزايد موجات نزوح المواطنين من ميانمار إلى الدول المجاورة هربًا من العنف في البلاد، حيث نزح ما يقرب من مليوني شخص بسبب سنوات القتال في ميانمار، كما أن زعزعة استقرار آسيان قد يكون لها عواقب إقليمية جسيمة، بما في ذلك توليد أعداد كبيرة من اللاجئين.
لم تظهر الحكومة العسكرية ولا خصومها المؤيدون للديمقراطية أي ميل للتسوية خلال الفترات الماضية، وسط تحذيرات البنك الدولي في تقرير نُشر ديسمبر الماضي، بتباطؤ نمو اقتصاد ميانمار الذي مزقته الأزمة، حيث أدت المقاومة المتزايدة ضد النظام العسكري فيها إلى تعطيل التجارة الحدودية الواسعة، وطرق التجارة الحيوية، خاصة في ولاية شان الشمالية، التي تعد مركزًا رئيسيًّا للتجارة الحدودية مع الصين، بالإضافة إلى شلل العمليات في المعابر الحدودية مع تايلاند والهند.
يشير محللون آسيويون إلى أن الوضع متفاقم في ميانمار، خاصة عقب تجاهل دعوات رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) إلى الاعتدال وضبط النفس، ولكن الأوضاع الحالية التي بدأت في التصاعد يمكن أن تجعل دول الرابطة الوجهة التي يتطلع إليها جنرالات ميانمار عندما يرون أن خياراتهم قد استنفدت. الأحداث في تصاعد خصوصًا في شمال ميانمار وبالقرب من الحدود الصينية، حيث شهدت المنطقة صراعًا مسلحًا بين المجلس العسكري في ميانمار وجماعات مسلحة من الأقليات العرقية، وامتدت الاشتباكات إلى شرق وغرب ميانمار وأجبرت أكثر من نصف مليون شخص على الفرار من منازلهم، بحسب تقارير أممية. ولهذا، عملت الصين خلال الأيام الأخيرة على تكثيف الاتصال مع ميانمار والسلطة العسكرية الحاكمة، حيث زار نائب وزير الخارجية الصيني، سون وي دونغ، ميانمار لأيام ثلاثة التقى خلالها مع زعيم ميانمار مين أونغ هلاينغ وأجرى مشاورات مع نائب وزير خارجية ميانمار يو لوين أو، متفقين على تعميق تنفيذ التفاهمات المشتركة التي تم التوصل إليها بين قادة البلدين، ومواصلة التعاون في إطار الحزام والطريق والممر الاقتصادي بين الصين وميانمار، وتسريع بناء مجتمع مصير مشترك بين الصين وميانمار، مع التزام بكين بمواصلة القيام بدور بناء في دعم عملية السلام في شمال ميانمار.
واستبشرت المنطقة ببيان وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الماضية، أن جيش ميانمار توصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع تحالف من جماعات الأقليات العرقية، فهل ستكمل الصين طريق السلام في ميانمار ليشمل قرار الوقف الفوري لإطلاق النار واستكمال البنود الخمسة التي أقرتها دول آسيان؟