عطية محمد عطية عقيلان
أمير الشعراء أحمد شوقي، نُفي من الإنجليز إلى إسبانيا (برشلونة) عام 1915م، وعاش فيها، هذه قصة حنين لوطنه واشتياق لها، ورغم جمال طبيعة المكان، فقد كان يحن لوطنه، وكل شيء فيها يذكره بها، ومن إحدى قصائده التي قالها في المنفى ونختار هذه الأبيات:
يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا
ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَداً
قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا
رَمى بِنا البَينُ أَيكاً غَيرَ سامِرِنا
أَخا الغَريبِ وَظِلّاً غَيرَ نادينا
كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا
سَهماً وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا
إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ
مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا
فالمنفى أدت إلى تأجج مشاعره، ومعرفة قيمة وطنه وما تضفيه عليه من عزة وكرامة وقوة، وهذا الإدراك مهم لنا لتقدير أوطاننا والاعتزاز به، لا سيما أن الأحداث والتقلبات العالمية وكثرة الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في التأثير على الشعوب، ومن أهم مستهدفاتها زعزعة الثقة والتركيز على السلبيات، والنقد المستمر لأي منجز أو البحث عن الإخفاقات وتجاهل النجاحات والتقدم والازدهار، والهدف النهائي هي إضعاف الوطنية والتي تسهل تمرير ما يدمر هذا البلد وذاك الكيان، وهذا يتطلب منا أن نؤمن بأن «الوطن خط أحمر» مهما حدث فيه يبقى هو صمام الأمان والشرف الحقيقي الذي لا يمكن تعويضه أو البحث عن بديل له، وهذا لا يعني عدم ذكر ونقد السلبيات والبحث عن الأفضل والأكمل والأقوى للوطن، ولكن دون السير خلف موجة التشكيك والذم وعرض السلبيات فقط، وهذا يتطلب وعياً منا، لا سيما أن التقنية الحديثة تتفاعل وتؤثر بطرق مختلفة في الشخص، فقط بمجرد انضمامك إلى منصات التواصل الاجتماعي والتي تقدم خدماتها مجاناً لك، ليس لسواد عيونك ولكن لتتمكن من التأثير فيك ومعرفة سلوكك وعاداتك، وتجتهد لتحولك إلى سلعة يسهل توجيهها، لذا المهمة حتى للشخص العادي تصبح مضاعفة حتى لا ينجرف بعاطفة لما يضر وطنه، وتصبح للمثقف والإعلامي دور أكبر في مناصرة وطنه وإبراز منجزاته والافتخار بها، فالوطن ليس ترفًا نفصله على مزاجنا وأهوائنا، بل هو نعمة ويمثل شرفنا الذي نفاخر به مهما كان به من عيوب وسيئات، وليس هناك أي مبرر للوقوف ومساندة من يعادي وطنك، يقول الكاتب الإيرلندي جورج برنادشو «الوطنية هي القناعة بان هذا البلد، هو أعلى منزلة من جميع البلدان الأخرى، لمجرد أنك ولدت فيه».
خاتمة: يقول الشاعر أحمد شوقي:
وطني لو شُغِلْتُ بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي