سهوب بغدادي
قد يمضي الإنسان حياته بأكملها للبحث عن ذاته ومعرفة هدفه الأسمى بعد طاعة الله جل جلاله، ويبدو الأمر صعبًا أو بعيد المنال، بلا شك، إن أهم معرفة امتلكها الإنسان يومًا هي معرفة ذاته جيدًا، بمعنى معرفة قيمه وأفكاره ومبادئه وتفضيلاته والأهم توجهاته للحياة وفي الحياة، قد يكون التخبط بداية الخطى الواثقة نحو الذات ومعرفتها، فبمجرد معرفتك الوثيقة بنفسك ستتوقف عن لوم ذاتك لاحقًا بعد المواقف التي تتطلب مراجعة النفس، وتلك الجدالات والأحداث التي تعض بعضها الأنامل ندمًا على ما كان يتوجب عليك قوله وفعله، «ياريت قلت كذا، ياريت اتكلمت، ياريت فعلت، لو أني قمت بكذا كان» ولكن الشخص العارف لنفسه سيعرف أنه في هذا الموقف بالتحديد سأندم فيستبق الحدث ويقوم باللازم، فلا ندم ولا غيره، فقط سيواجه العواقب بعدها، وهذا أفضل وأقل وطأة على الشخص من مواجهة شعورين في آن واحد.
لكل شخص نمط ورحلة وأسلوب خلال رحلته في البحث عن الذات والهدف، وجاء عن الباحثين عن ذاتهم أن المسألة تتطلب الإجابة عن خمسة أسئلة، الأول ما اسمك؟ ما أكثر شيء تحب فعله وتبرع فيه للدرجة التي تجعلك مخولًا بتعليمه للغير؟ من المستفيد من هذه الميزة؟ ما الشيء الذي يجعلهم يحتاجوك أنت بالتحديد؟ كيف تحدث التغيير ووقعه على حياة المستفيدين؟ في حال أجبت على الأسئلة ولا تزال محتارًا أو غير مقتنع فذلك طبيعي، إلا أن هناك العديد من الأمور التي يمكنك القيام بها ومنها معرفة أقوى سمات شخصية تتمتع بها، لنأخذ على سبيل المثال أول ثلاث سمات في شخصية مساعد، السمة الأولى الكرم، السمة الثانية المبادرة، السمة الثالثة حس القيادة، ومن خلال معرفة سماته الأقوى سيتمكن جعل أغلب مواطن حياته أفضل بشكل ملموس.
بحسب خبراء في مجال الإدارة فإن أكثر ما يدفع الموظف للبقاء في منظمة ما، ليس المال أو المنصب، أو البيئة الجيدة، بل مقدار إظهار الشخص وتطبيقه لسماته الشخصية الأقوى من خلال المهام اليومية، فلنأخذ مساعد -الرجل الطيب- كمثال، حيث يعمل في مجال الأرشفة في إحدى الشركات الناشئة، وبطبعه وسمته الأصيلة اقترح تفعيل مبادرة قاعدة بيانات لتاريخ التحاق الموظفين، فعندما يكمل الموظف عامًا، يتم إخطار مدير إدارته بالتنسيق مع إدارة التواصل الداخلي، بهدف جعل هذا اليوم مميزًا، وأصر مساعد أن يساعد كالعادة ويتولى زمام الأمور، فهنا استطاع أن يفعّل سمة المبادرة والقيادة والكرم احتمالًا في هذا الموضع أو غيره، ليعود بعدها إلى عمله المعتدات ومكتبه الذي يحتوي على حاسب آلي ونبتة واحدة، والأجمل إذا تمكن من تطبيق هذه السمات أو بعضها في صلب اختصاص عمله، ولكن نعلم جميعنا أنه لا يوجد شيء مثالي، إنما نبذل ما نستطيع لخلق أفضل وضع ممكن، وقس على هذه السمات في إطارات ونطاقات عديدة في حياة الفرد، العائلة والأصدقاء وما إلى ذلك، فهناك من يشعر بأن علاقاته مفعمة بالحياة وجيدة بسبب مقدرته على إظهار جوانبه وسماته الأقوى والأكثر بروزًا دون كبح أو حرج أو التوجس من إصداء الطرف المقابل الأحكام عليه.
في الختام أستذكر جملة من أغنية الفنانة القديرة نوال عندما تقول «لقيت روحي بعد ما أنا لقيتك» لطالما أثارت حفيظتي واستنكرتها لأنني أقول دائمًا «لقيت روحي بعد ما أنا لقيتني».
«من أكثر شخص يجب عليك معرفته؟ أنت».