د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
قد يحذف الفاعل وتغير بنية الفعل ليسند إلى المفعول به أو ما ينوب عنه من مفعولات لأغراض مختلفة(1)، وأما المفعولات التي تقام مقام الفاعل فهي المفعول به(2). والمجرور(3) والمصدر والظرف المكاني والزماني(4).
وأما سوى ذلك من المفعولات فلا تنوب عن المفعول به في نيابته عن الفاعل(5)؛ فلا يسند الفعل المبني للمفعول إلى (المفعول له)، قال الفارسي «وليس كذلك المفعول له، لأنك متى أقمته مُقامَ الفاعل خرج عن أن يكون مفعولًا له، ولم يكن عليه دلالة؛ لأنه إنما يُعلمُ [كونه] مفعولًا له متى كان [فضلة] بعد الفاعل يُقدرُ وصول الفعل إليه باللام. وهذا المعنى يبطله كونه [نائب] فاعل وينافيه لو قلت: (أتى الإكرمُ) لم يُفهم عنك [أنك] أتيت أمرًا من أجل الإكرام، بل يُفهمُ أنه فُعِل نفسُ الإكرام لا شيء غيرهُ من أجله. فلما كان كذلك لم يجز إقامته مقام الفاعل ولم يصح ذلك فيه»(6).
ولا يسند إلى (المفعول معه)، قال الفارسي «ومما لا يجوز من المفعولات أن يقام مقام الفاعل المفعول معه نحو (استوى الماء والخشبة)، وإنما لم يجز إقامته مقام الفاعل؛ لأن كونهُ مفعولًا معه يُبطله قيامه مقام الفاعل، لأن كونه مفعولًا معه يقتضي أن يكون مع فاعل ليكون مفعولًا معه، فإذا أقمته مقام الفاعل لم يكن مفعولًا معه كما لا يكون الباب الأول مفعولًا له، ويمتنع إقامة هذا الاسم مقام الفاعل من وجه آخر، وهو أنه لا يخلو إذا أقمته مُقام الفاعل من أن تذكرَ الحرف الذي تدل به على أنه مفعول معه أولا تذكره، فإن أقمته مقام الفاعل ولم تذكر الحرف الذي يدل به على أنه مفعول معه لم يجز؛ لأن الاسم به يُدل على أنه مفعول معه، فإذا لم تذكره لم يدُل على ذلك، وإن ذكرت الحرف أيضًا لم يجز، وذلك أن الحرف وإن لم يكن عاطفًا هنا فإنه يمتنع استعماله إلا على حد ما كان في العطف»(7).
ولا يسند إلى (الحال)، قال الشاطبي «وأمَّا الحالُ فيمتنع إقامته في مُقامَ الفاعل لأنَّه على تقدير: (في [حال] كذا)، وإذا أقمتَهُ لم يُفهم ذلك المعنى بحاله كما تقدّم في المفعول له، وأيضًا فإنَّ الحالَ يفارق المفعولَ به في كونه لا يقع إلا نكرة، بخلاف المصدر والظرف»(8).
ولا يسند إلى (التمييز) أيضًا، قال الشاطبي «وأمَّا التمييزُ فإنَّه على تقدير (مِنْ)، وعلى معناها، وإذا أُقيم مُقَامَ الفاعل زالَ ذلك المعنى، كما مَرَّ في المفعول له. هذا إذا فرضتَه مُميَّزًا للمفرد، وإن كان مميَّزًا للجملة نحو {اشتَعَلَ الرأسُ شَيْبًا} فهو الفاعل في المعنى، فلا يَصِحُّ أنْ يُبْنَى له الفعلُ بناءً ما لم يُسَمَّ فاعلُه؛ لأنه نَحْوٌ من بناء الفعل للمفعول مع ذكر الفاعل، وذلك لا يستقيم، وأيضًا فالتمييز يفارقُ المفعولَ به في لزومه التنكير كالحال»(9).
ولا يسند إلى (المستثنى) أيضًا، قال الشاطبي «وأمَّا المستثنى فلا يستقيم أيضًا أنْ يُقامَ، لأنَّه يودِّي إلى تفريغ الفعل لما بعدَ (إلا) في الإيجاب، فإذا قلتَ: قام القومُ إلا زيدًا، لم يَسُغ أن تقولَ فيه: قِيم إلا زيدٌ، كما لا يستقيم أنْ تقولَ: قام إلا زيدٌ، وأما في النفي فلوقوع اللبْس والإيهام لو قلتَ: ما جاء القوم إلا زيدًا، فبنيتَه للمفعول، فقلتَ: ما جيِء إلا زيدٌ لتُوُهِّمَ أنَّه مفعولٌ به، وأيضًا لا يُقامَ إلا ما أشبه المفعولَ به، واتُّسِع فيه حتى يصير مفعولًا به مجازًا مع بقاء معناه. وهذا متعذِّرٌ في المستثنى؛ إذ لا يُتَسَّع فيه كما يُتَّسَعُ في الظرف والمصدر»(10).
**__**__**__**__**
(1) يحذف الفاعل ويبنى الفعل للمفعول إن عُرف الفاعل ابتداءًا، نحو (أُنْزِلَ الغيثُ) فمنزل الغيث هو الله سبحانه وتعالى، أو جُهِل نحو (سُرِقَ المتاعُ)، أو أُجِلَّ، نحو (ضُرِب الجاني) حذف الفاعل لأنه أجلّ من أن يذكر مع الجاني، أو حُقّر، نحو (قُتِلَ عمرُ) حذفنا الفاعل لأنا نراه أحقر من أن يذكر مع المفعول به، أو أُبْهِم، نحو (حُلَّ الـمُشكلُ) لأنا أردنا أن نخفي اسم الفاعل لغرض مّا، أو خيف منه، نحو (قُتِلَ الأميرُ) أخفينا اسم القاتل لا جهلًا به ولكن خوفًا منه إن صرحنا باسمه، أو خيف عليه، نحو (كُسِر الكأسُ) كأن يكون الفاعل طفلًا نخاف عليه من العقاب.
(2) الأصول في النحو لابن السراج، 1/ 86.
(3) الأصول في النحو لابن السراج، 1/ 88.
(4) الأصول في النحو لابن السراج، 1/ 89.
(5) قال الشاطبي في (المقاصد الشافية، 3/ 5) «ولأنَّ غيرَه [المفعول به] لا يقوم مَقَامَ الفاعل إلا مع تصييره مفعولًا به مجازًا».
(6) المسائل البصريات لأبي علي الفارسي، 1/ 229- 1/ 230.
(7) المسائل البصريات لأبي علي الفارسي، 1/ 230.
(8) شرح ألفية ابن مالك للشاطبي، 3/ 11-12.
(9) شرح ألفية ابن مالك للشاطبي، 3/ 12.
(10) شرح ألفية ابن مالك للشاطبي، 3/ 12.