خالد بن حمد المالك
أفرزت حرب غزة عن خلافات بين رئيس وأعضاء حكومة إسرائيل من جهة، وأخرى بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وإن كانت جميع هذه الأطراف ليست على خلاف في توجهها للقضاء على حماس وتحرير الرهائن لدى المقاومة الفلسطينية بالقوة وليس عن طريق الحوار، بدليل رفض إسرائيل وأمريكا معاً إيقاف القتال، وعدم قبولهما بإعطاء الفرصة للدبلوماسية والوسطاء لإنهاء الإشكال في تحرير الرهائن بعيداً عن مواصلة الحرب في غزة المدمرة.
* *
هذا الخلاف إن أُخذ على ما يُصرَّح به، أو يُسرّب من جهات لديها العلم لا يعني أكثر من زيادة في تعقيد فرص الحل، وإيقاف سيل الدماء بين المدنيين الفلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي التي تعتدي ليل نهار على الفلسطينيين منذ أكثر من 100 يوم، وتهدم بيوتهم، وتمنع عنهم الدواء والغذاء والماء والكهرباء وكل ما يجعلهم يعيشون في قطاع غزة أحياء، بل إن بعض أعضاء حكومة إسرائيل المتطرفة لا تكتفي بذلك، وإنما تطالب بالقضاء على كل فلسطيني في غزة ما لم يقبل بالتهجير الطوعي أو القسري.
* *
أمريكا لديها الحل لهذا الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين، وتالياً إقامة دولة لهم، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخيار الدولتين، بدءاً من تمرير قرارات مجلس الأمن ذي الصلة بذلك، دون استخدام حق النقض لمنع سريان وتنفيذ أي قرار يمس إسرائيل، مروراً بإيقاف تمويل تل أبيب بالسلاح، وعدم الدفاع عنها بالشراكة كلما كانت بحاجة لذلك، مع استخدام نفوذها مع شركائها في الغرب في إلزام إسرائيل بالمثول للقرارات الدولية, ووضع نهاية لهذا الصراع المزمن، والاحتلال الظالم الذي تقوم به إسرائيل في تحدٍّ للقرارات الدولية.
* *
لقد لاحظنا كيف أن رئيس وزراء إسرائيل يعلن بأنه لن يمتثل لقرارات المحكمة الدولية، وسيواصل الحرب في غزة، مُنكراً أنه يمارس حرب إبادة، أو فصلاً عنصرياً بغيضاً, أو أنه يحرم الشعب الفلسطيني الذي يقع تحت الاحتلال من حقوقه المشروعة بما فيها الحد الأدنى من حقوق الإنسان, مُؤيّدَاً هذا الموقف المتعالي من الولايات المتحدة الأمريكية في تصريح للرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بأن إسرائيل لا تمارس حرب إبادة, في موقف منحاز وغير عادل وظالم، ويسبق به بدء نظر محكمة العدل الدولية في شكوى جنوب إفريقيا، ودفاع إسرائيل عن جرائمها، في محاولة من أمريكا في تحييد الموقف العدلي والمنصف لدى قضاة محكمة العدل الدولية.
* *
إن حل هذا الصراع، وإنهاء آخر احتلال في العالم يعتمد على جدية الولايات المتحدة ودول الغرب في تنفيذ ما يصرحون به من حق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم، والانتقال من القول إلى الفعل، بما يجنب إسرائيل والفلسطينيين ودول المنطقة والعالم من تكرار هذه الحروب، والتوجه نحو حلٍّ يضمن الأمن والاستقرار للجميع، ويمنع مستقبلاً أي اعتداءات من أي طرف يخل بالأمن، ومن أي اختراقات هدفها جعل المنطقة في حالة غليان واستهداف لمقومات التنمية في دولها.
* *
إن مسؤولية أمريكا، والمجتمع الدولي كبيرة ومهمة، ويجب أن نرى آثار ممارستها بعدل وإنصاف، وأن تكون قوة تأثيرها مُلزمة لإسرائيل للقبول بما يجعلها غير جسم غريب في هذه المنطقة من العالم، وهذا يعني فيما يعنيه أن تتخلى عن أطماعها، وسياساتها في التوسع، والابتعاد عن استخدام السلاح بدلاً من الحوار مع جيرانها، وفي المقابل على داعميها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أن يتخلوا عن مواقفهم المساندة لجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، لأن مثل هذا الموقف المتغير لو تحقق لن يجعل تل أبيب خارج القوانين الدولية، أو أنها لا تُحاسب على أفعالها، وكذلك فسوف تدرك أنها تمر بحالة ضعف أمام تضامن الدول على تحجيم سياساتها المتطرفة، وممارساتها العدوانية التي لا تتوقف.