د. تنيضب الفايدي
تعدّدت طرق الحج قديماً إلى مكة المكرمة فكلّ اتجاه له طرق أو طريق عُرِف به، ومن تلك الطرق طريقان مهمان جداً تربط العراق بمكة المكرمة، وهما طريق الحاج البصري (نسبة إلى البصرة) من البصرة إلى مكة وطريق زبيدة من الكوفة إلى مكة المكرمة، وتوجد على مسافات محددة محطات تحوّل بعضها إلى مدن أو قرى صغيرة يرتاح بها الحجاج. وعند دراسة أي موقع من مواقع طرق الحج والتجارة قديماً يجد الدارس توفر بقايا معمارية مثل بقايا المنازل السكنية أو بقايا القصور أو بقايا القلاع والحصون والأسواق والخنادق، كما يجد آثار الآبار والبرك والأحواض والخزانات والقنوات وما تبقى من آثار المحطات كثيرة ومتعددة ولاسيما على طريق زبيدة ومن تلك المحطات زرود (المناسك للحربي ص 398):
وهي من أشهر منازل العرب في الجاهلية والإسلام وهي عبارة عن بقايا إحدى المحطات الرئيسية على درب زبيدة تقع حالياً إلى الشمال الشرقي من مدينة حائل، وتتكون من مجموعة من الوحدات المعمارية المندثرة، منها بقايا قصر كبير مربع الشكل وبالقرب منه توجد آثار قلعة مستطيلة الشكل مبنية من الحجر والجص، وإلى الجنوب الغربي من القلعة توجد بقايا بركة مستطيلة الشكل وتظهر بزرود حدود مسار طريق درب زبيدة واضحة على شكل جدارين متوازيين، وتسمى أطلال زرود حالياً وسيط الشرقي، وكم أثارت زرود المشاعر والحنين إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، وتُذْكَرُ زرود من قبل شعراء بعضهم لم يمر بها وإنما هي رمزٌ من رموز الحب ومع بُعدها عن طيبة ومكة إلا أن الشاعر يحسُّ بأنه اقترب منهما فيكررها مع محطات أخرى مثل العذيب، مع أن العذيب بالحجر لكنّ حب المواقع يذكّرُ بعضه بعضاً، إقرأوا الأبيات التالية مرة بعد مرة ستجدون عمق حبّ الوطن:
رِفَاقِي الظَّاعِنِينَ مَتَى الوُرُودُ
وذَيَّاكَ العذَيْبُ وَذَا زَرُودُ
فعُوجوا بي على آثارِ لَيلَى
فما يَدْرِي الغريبُ مَتَى يَعودُ
وزوروا شَعْبَهَا فَعَلَى فؤادِي
وقلبِي منْ نسيِّمِهِ برودُ
رفَاقِي الظَّاعنينَ ترفَّقوا بِي
فقَلْبِي في هَوَى ليلَى عَمِيدُ
أعيدُوا لي الحديثَ بذِكْر لَيْلَى
أعِيدُوهُ فدَيْتُكُمْ أعِيْدُوا
قول جرير:
هَل تُؤنِسانِ وَدَيرُ أَروى بَينَنا
بِالأَعزَلَينِ بَواكِرَ الأَظعانِ
رَفَّعتُ مائِرَةَ الدُفوفِ أَمَلَّها
طولُ الوَجيفِ عَلى وَجى الأَمرانِ
حَرفاً أَضَرَّ بِها السِفارُ كَأَنَّها
جَفنٌ طَوَيتَ بِهِ نِجادَ يَماني
وإذا لقيتَ على زَرُود مُجاشِعاً
تركوا زرود خبيثة الأعطان
وقال مهيار الديلمي:
وعدَ الوفاءَ وليس منه فغرَّني
ومن السرابِ إذا اغتررتَ وعودُ
أعنو له وأنا العزيزُ بنفسه
وأَلينُ عمداً والفؤادُ جليدُ
وإذا عزفتُ فتُبتُ من دِين الهوى
جذبَ الغرامُ بِمقوَدي فأعودُ
ولقد أحنَّ إلى زَرُود وطينتي
من غير ما فُطرتْ عليه زرودُ
ويشوقُني عَجَفُ الحجازِ وقد ضفا
رِيفُ العراق وظلُّه الممدودُ
وقال الفرزدق:
وَلَو عَلِمَت أَنَّ الوَثاقَ أَشَدُّهُ
إِلى النارِ قالَت لي مَقالَةَ ذي عَقلِ
لَعَمري لَئِن قَيَّدتُ نَفسي لَطالَما
سَعَيتُ وَأَوضَعتُ المَطِيَّةَ لِلجَهلِ
ثَلاثينَ عاماً لا أَرى مِن عَمايَةٍ
إِذا بَرَقَت إِلا شَدَدتُ لَها رَحلي
أتتني أحاديثُ البعيثِ ودونَهُ
زَرُود فَشاماتُ الشقيق إلى الرملِ