ناهد الأغا
عرف الأدب العربي الحديث برمته القصة القصيرة كواحدةٍ من أنماط وصور الأدب في عصرنا الحالي، وشغلت مساحة كبيرة بالاهتمام والكتابة والبحث والدرس ولا غرابة لذلك، فالإنسان العربي يميل بطبعه واهتمامه إلى القصص وسرد الحكايات والسماع والاصغاء لها، ويزداد الأمر جمالا في نفسه كلما كان السرد مختصرا ومقتضبا مشتملا على الأحداث والتفاصيل، وما قام به الأبطال والشخوص بشكل موجز وسريع وماتع ومشوق.
بزغ نجم القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث، وسطع إشعاعها مع أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وازداد نشاطها ونضجها مع تطور وازدهار الصحافة، وازدياد عدد المجلات والصحف، فضلا عن تعدد التفاصيل والأحوال التي استلزمت التعبير القصصي الموجز.
وفي مسيرة تطور القصة القصيرة، ومواكبتها للحالة الأدبية والاجتماعية والفكرية للأمة العربية، كان الأدب بفنونه في المملكة العربية السعودية، ومن أبرزها القصة القصيرة ممن واكبت المجريات والتطورات على المجالات كافة، فحظيت بمنزلة فضلى في الصحافة منذ العقد الثالث من القرن المنصرم في صحيفتي المنهل والحجاز، فانبرى عدد من الكُتاب والأدباء إلى إبراز مهاراتهم وإبداعاتهم الأدبية، ونشرها في أعداد هاتين الصحيفتين الواعدتين آنذاك، التي كانت بدورها تخصص أعمدة وأبوابا لتنشر هذه القصص القصيرة في أعدادها الشهرية الصادرة عنها، رغم عدم انتشارها بشكل واسع، إذ بقيت تنتشر بشكل محدد ومحصور لقلة عدد القارئين والمهتمين بنشر هذا النمط الأدبي في تلك الأثناء وتلك المرحلة، ولا يمكننا ان نغفل ذكر أهم نتاج المحاولات الأدبية في تلك المرحلة، فكانت (على ملعب الحوادث) لعبدالوهاب آشي، وقد نشرت في كتاب (أدب الحجاز) من جمع محمد سرور الصبان، وتم نشره عام 1926م.
أعقب هذه المحاولة نتاج أدبي آخر تمثل بكتابتين لمحمد حسن عواد هما: الزواج الإجباري، والحجاز بعد 500 سنة، وكان نشرهما في كتابه (خواطر مصرحة)، ومن جميل الأثر في هذه المحاولات بيان أثر المدن ونموها في الحواضر العمرانية في تلك الحقبة الزمنية من عُمر الدولة السعودية العتيدة.
وبقي العطاء والتقدم في المضي بحقل تأليف وكتابة القصة القصيرة السعودية بعد منتصف القرن العشرين وبالعقدين الخامس والسادس منه بشكل أدق، وفي هذه المدة الزمنية تأطرت عوامل وملامح كتابة القصة القصيرة، وانتشارها كواحد من الأنماط الأدبية ذات الخصوصية والاستقلالية عن كونها أعمدة صحفية في الصحف والمجلات، وتأتى ذلك لما تمتعت به المملكة العربية السعودية في تلك الحقبة من استقرار وانتعاش اقتصادي، وتغييرات اجتماعية، وتعزز التعليم والتعلم، ولا بد أن أستذكر في هذا المقام أبرز من تميز بكتابة السرديات، وشكلوا بدايات عهد الإطار الدقيق لمعالم القصة القصيرة السعودية: حمزة بوقري، وعبد الرحمن الشاعر، وإبراهيم الناصر، ومحمود عيسى المشهدي، وهكذا حتى كانت المرحلة الحالية التي تحياها الحركة الأدبية بأصنافها جميعًا، وأبرزها القصة القصيرة، التي تبوأت مكانة رفيعة ومتميزة بين أقرانها من الأصناف الأدبية الأخرى، وكان ذلك منذ عام 1977م، وبرز في نهاية العقد السابع من القرن المنصرم أسماء عدد من الأدباء السعوديين، مثلت جيلا أدبيا مهتما بشؤون القصص القصيرة، أمثال: محمد علوان بمجموعته (الخبز والصمت)، وحسين علي حسين بمجموعته (الرحيل)، وجار الله الحميد ومجموعته (أحزان عشبة بحرية)، وعبدالعزيز المشري ومجموعته (موت على الماء)، وتلت ذلك مرحلة جديدة أخرى ما بين العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين نفسه، وفي هذه المرحلة غدت القصة القصيرة بنضج واكتمال ومعالم محددة ومؤطرة وواضحة، وسطعت مجموعة من الأسماء الرائدة لهذا اللون الأدبي في هذه الحقبة، مثل: أحمد يوسف، ومحمود تراوري، وعبدالله التعزي، وفهد المصبح، وناصر الجاسم، وعبد الحفيظ الشمري وعبد الله السفر، وظافر الجبيري، وبدرية البشر، وأميمة الخميس، ونورة الغامدي، ومحمد منقري، وعبده خال، ويوسف المحيميد، وحسن النعمي، وعبد العزيز الصقعبي، وفهد العتيق، وفهد المصبح، ورقية الشبيب، وشريفة الشملان، والمقام يطول في ذكر ما يتعلق ويرتبط بهذا الفن الأدبي الرفيع، الذي لأهميته الكبرى والفائقة تصدر اهتمام باحثين ودارسين، فأفردوا كتبا ومؤلفات عن القصة القصيرة السعودية نشأة وتاريخا وتطورا، وذكرا لأبرز العناوين والمؤلفين، وتستمر مسيرة الإبداع الذي ينضب على هذه الأرض، التي لا تعرف إلا الحياة.