خالد بن حمد المالك
يقول رئيس وزراء إسرائيل بصوته الذي لا يكذب بأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية طالما ظل رئيساً للوزراء، وبنفس اليوم وبعد هذا التصريح الذي لا لبس فيه يقول الرئيس الأمريكي إن نتنياهو لا يعارض خيار الدولتين، فمن نصدّق بايدن أم نتنياهو، أم أن علينا عدم تصديق أيٍّ منهما؟
* *
أساساً الحديث عن دولة فلسطينية لا يتردد إلا إذا كانت إسرائيل كما هي الآن في حرب غزة، حيث يُقتل جنودها أو يُصابون، وحيث يظل أسراها لدى حماس والجهاد في مأمن من قدرة الجيش الإسرائيلي على تحريرهم، رغم ما تقدمه أمريكا من مساعدات استخباراتية وعسكرية لتحقيق هذا الهدف الإسرائيلي الأمريكي المشترك.
* *
ويقول الرئيس بايدن إن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ستقام على المدى البعيد، لاحظوا أنه لم يحدد زمناً لهذه الدولة، ولا شكلها، وترك الباب لقيامها مفتوحاً إلى مالا نهاية، ما يعني أنه تلاعب بالكلام، وإلهاء للشعب الفلسطيني عن المقاومة بوعود تتكرر دون أن يكون لها حسم، لتظل بالانتظار على المدى الطويل حسب وصف الرئيس بايدن.
* *
الرئيس الأمريكي ضد إيقاف الحرب، لأن إيقافها سيخدم حماس وفقاً لتصريح له، فكيف يتم العمل على تحقيق دولة للفلسطينيين، وأمريكا مع استمرار الحرب العشوائية التي توصف بأنها حرب إبادة للشعب الفلسطيني تقوم بها إسرائيل وتمولها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
* *
إذا صدقت النوايا الأمريكية في تحقيق خيار الدولتين، فإن هذا التوجه يبدأ أولاً من وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبدء الحوار الجاد والملزم لقيام الدولة الفلسطينية في حدود 1967م وبما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وأي كلام غير هذا، فهو للاستهلاك، وتمييع القضية الفلسطينية.
* *
والعقلاء يدركون أن لا سلام ولا استقرار ولا توقّف للمقاومة ما لم تُحل المشكلة الفلسطينية، بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وحتى لو قُضي على حماس، فإن حماساً أخرى سوف تتولى حمل راية الكفاح المشروع، وما من أحد عاقل يتوقع استسلام الفلسطينيين، والقبول بحرمانهم من حقوقهم المشروعة.
* *
وضمن ما قاله الرئيس بايدن إن غزة بعد نهاية الحرب ستتولى أمريكا مع إسرائيل وشركائها الكيفية التي ستكون عليها في المستقبل، لاحظوا أنه يتحدث عن مستقبل غزة لا عن مستقبل الدولة الفلسطينية، وله في كل يوم تصريح جديد يتناقض مع ما قبله من تصريحات، ضمن الارتباك الأمريكي أمام ما يجري في غزة، بل وحتى في الضفة الغربية.
* *
وفي المقابل، فإن تصريحات رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع والمالية والأمن القومي في حكومته المتطرفة لا تظهر أي استعداد للقبول بدولة فلسطينية تتعايش مع إسرائيل، وهم غالباً على درجة عالية من الوضوح في التزامهم بحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، حتى وإن أُثيرت من بعض الدول ضرورة تحقيق خيار الدولتين.
* *
والأمريكيون يتحدثون عن التطبيع مع العرب، وغالباً ما تكون المملكة هي المقصود بذلك، وهو أمر جيد، لكنه مشروط بتمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم المشروعة كما صرح بذلك ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وهو موقف سعودي ثابت يتماشى مع المبادرة العربية، وينسجم مع تطلعات الشعب الفلسطيني، لكنه لن يتحقق إلا بالتزامن مع استجابة إسرائيل لقيام الدولة الفلسطينية.
* *
والذين يعترضون على التطبيع حتى ولو أخذ بخيار الدولتين، عليهم مراجعة مواقفهم، فالسلطة الفلسطينية المعنية بالقضية الفلسطينية تعترف بإسرائيل وفقاً لاتفاق أوسلو، وكان يمكن أن يسفر الاتفاق عن قيام الدولة الفلسطينية المنشودة، لكن إسرائيل نقضت ما تم الاتفاق عليه، وزادت على ذلك بقتل من تبنى هذا الاتفاق ووقّع عليه، وهما رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، ورئيس وزراء إسرائيل رابين.
* *
أي أنه لا خلاف على التطبيع مع إسرائيل مقابل قبولها بقيام الدولة الفلسطينية، فقد أُقر باتفاق بين العرب جميعاً في بيروت في القمة العربية، ما سُمي القرار بالمبادرة العربية، وفلسطينياً تم في أوسلو ما أعتبر اعترافاً بإسرائيل، والكرة الآن في ملعب إسرائيل وأمريكا والغرب، وآن الأوان لتحقيق السلام والاستقرار بقيام دولة للشعب الفلسطيني على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.