عبدالرحمن الحبيب
ربما تعرف صديقاً تولى مشروعاً طموحاً لكن واجهته مفاجآت فخرج المشروع عن نطاق السيطرة.. بل ربما أنت بدأت في بناء منزل بميزانية وتوقيت محددين فتجاوز كلاهما التوقعات بطريقة صادمة.. لست وحدك فأغلبنا كذلك، بل أغلب المشاريع الكبرى تميل إلى تجاوز الميزانية وتستغرق وقتاً أطول من المتوقع لإكمالها. لماذا، وما الحل؟ إن فهم ما يميز النجاحات من الإخفاقات كان عمل حياة البروفيسور في جامعة أكسفورد بنت فلايفبيرج، الذي يطلق عليه لقب «الخبير الرائد في المشاريع العملاقة على مستوى العالم»، والذي أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان «كيف يتم إنجاز الأشياء الكبيرة» (How Big Things Get Done) بمشاركة دان جاردنر.
يذكر الكتاب أن ما لا يقل عن 92 % من المشاريع العملاقة تأتي بأكثر من الميزانية أو الجدول الزمني، أو كليهما. على سبيل المثال: ارتفعت تكلفة مشروع السكك الحديدية عالية السرعة في كاليفورنيا من 33 مليار دولار إلى 80 مليار دولار، ولن تصل حتى إلى ما وعدت به. أيضاً، لنتأمل هنا مشروع مواصلات كروس ريل في لندن ما زال قائماً ويهدف إلى ربط غرب لندن بشرقها عبر نفق قطارات جديد، فهو متأخر خمس سنوات وتجاوز الميزانية المخصصة له بالمليارات.
يوضح الكتاب أن 8.5 % فقط من ستة عشر ألف مشروع درسها المؤلفان حققت أهدافها من حيث التكلفة والوقت. هذه إحصائية مذهلة، إذ تعاني كل مدينة كبيرة في العالم تقريباً من مثل هذا الفشل، ويبدو أن الإفراط في الميزانية وفي الجدول الزمني أمر لا مفر منه.
إذا كان غالباً ما تتحول الرؤى الكبيرة إلى كوابيس وتتحول المشاريع العملاقة إلى صداع؛ ففي المقابل، هناك مشاريع تم تنفيذها بنجاح من خلال رؤية كبيرة لتصبح واقعاً جديداً ملهماً. ولنتأمل هنا كيف تحول مبنى إمباير ستيت من مجرد رسم تخطيطي إلى جوهرة أفق نيويورك في واحد وعشرين شهراً، أو كيف تحول جهاز آي بود من إنتاج شركة أبل من مشروع بموظف واحد إلى إطلاق منتج في أحد عشر شهراً. لكن مثل هذه النجاحات هي الاستثناء.
الكتاب مليء بالأمثلة الحية والممتعة التي تتراوح من بناء دار الأوبرا في سيدني إلى صناعة أحدث أفلام بيكسار الرائجة، ليكشف الكتاب عن كيفية إنجاز أي مشروع طموح في الوقت المحدد وبالميزانية المناسبة، ويحدد الأخطاء التي تؤدي إلى فشل المشاريع..
حسناً، لماذا تحدث الأخطاء؟ يقول الكتاب لأن المشاريع العملاقة تعتمد على أنظمة معقدة يصعب بطبيعتها التنبؤ بها والتحكم فيها. كما يمكن أن تساهم الأحداث غير المتوقعة والتغيرات في المتطلبات وسوء الإدارة في التأخير وتجاوز التكاليف. والأكثر من ذلك هو أن المشاريع العملاقة غالباً ما تتضمن العديد من أصحاب العلاقة ذوي الاهتمامات المختلفة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى خلافات وتأخير في اتخاذ القرار.
يطرح الكتاب مبادئ قائمة على الأبحاث التي ستجعل مشروعك ناجحاً. من تلك المبادئ: تجنب مغالطة الالتزام بنفس الخط حتى عند ظهور المفاجآت، فهو خطأ شائع يرتكبه صناع السياسات ومديرو المشاريع الذين يعتقدون أنه بمجرد الالتزام بمسار عمل معين، يمكنهم التغلب على أي عقبات تعترض طريقهم. أحد الأمثلة على ذلك هو مشروع السكك الحديدية عالية السرعة في كاليفورنيا؛ ففي عام 2008، وافق الناخبون على إجراء بقيمة 9 مليارات دولار لتمويل بناء خط سكة حديد عالي السرعة بين سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس. وكان من المتوقع أن يتكلف المشروع 33 مليار دولار وأن يكتمل بحلول عام 2020. ولكن بحلول عام 2019، كان المشروع قد اكتمل بنسبة 20 % فقط، وبتكلفة متوقعة تبلغ 80 مليار دولار، وتاريخ الانتهاء منه هو عام 2033.
مبدأ «فكر من اليمين إلى اليسار»، فعندما تواجه مهمة شاقة وتشعر بالحيرة من أين تبدأ؟ الحل ما يسمى بالتفكير من اليمين إلى اليسار أو الهندسة العكسية، ويتضمن العمل بشكل عكسي أي ليس من البداية إلى النتيجة، بل بدءاً من النتيجة المرجوة لتحديد الخطوات اللازمة، حيث تكون لديك النتيجة النهائية أو المخرجات على اليمين، ثم كل ما يجب أن يحدث على اليسار.
مبدأ «البحث عن الليغو الخاص بك»، مجموعة الليغو هي مكعبات الألعاب البلاستيكية التي تركب حسب الرغبة، والفكرة أخذ شيء صغير، مثل قطعة ليغو، وتكراره مراراً حتى تقوم ببناء شيء ضخم. هنا تقوم بتقسيم مشروع كبير إلى أجزاء أصغر يسهل التحكم فيها، ثم تعيد تجميعها معاً مرة أخرى مثل أحجية الصور المقطوعة. وذلك لأن جميع المشاريع الكبرى تستغل قوة الوحدات النمطية، وهذا هو المفتاح لتحقيق أشياء كبيرة.. من الأفضل أن يتم بناء الكبير من الصغير.
مبدأ «السيطرة على مجهول المجهول»، هناك مجهولات عن ظواهر معروفة ولكن غير مفهومة جيداً، بينما مجهول المجهول هي ظواهر لا يمكن توقعها لعدم وجود خبرة سابقة أو أساس نظري لتوقع الظواهر، لكن الغالبية يعتقدون أنهم لا يستطيعون ذلك، لذلك يفشلون.
يقول الكتاب: كن صانع الفريق، لن تنجح بدون «نحن».. واعلم أن الخطر الأكبر الذي يواجهك هو أنت..