حسن اليمني
كنت كتبت مقالات عدة بهذه الجريدة قبل عامين وثلاثة وليست مقالاً أو اثنين أو حتى ثلاثة بل أكثر بينت فيها حتمية زوال الكيان الإسرائيلي عن أرض فلسطين، أما اليوم فإن الحديث عن زوالها أصبح موضوعاً مطروحاً من عرب وإسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين وبالتالي فالحديث ربما يكون عن قرب زوال هذا الكيان المحتل إنما ينبع من شواهد ومقدمات ملموسة، أي نعم هذا حدث سيكون له تداعيات تغير كثيرا من واقع اليوم وهذا أمر طبيعي لأن زوال الكيان يعني ضعف تأثير نظام الأمريكان العالمي وليس شرطا أن يكون ذلك بالحرب، بل الأرجح أنه سيكون نتيجة الإفلاس، الإفلاس الأخلاقي والإنساني وبما يتبعه من تدهور في الاقتصاد والتصنيع لصالح قوى أخرى تتأهب لإدارة النظام العالمي الجديد.
صحيح أننا نشاهد اليوم قوة عصبة عربية محاصرة منذ قرابة العقدين في حيز صغير من الأرض تثخن في قوات النخبة العسكرية الإسرائيلية وتحيل أحدث المنتجات التصنيعية العسكرية للتقاعد وإعادة التدوير، ونقرأ ونسمع ونشاهد ثالوث القيادة في الكيان يكرر المناشدات لهدنة واستراحة من الحرب واستعداد لفك أسر كثير من القيادات العربية الفلسطينية التي أذاقت الكيان العلقم لكن كل هذه لا يكفي لإزالة الكيان الإسرائيلي عن أرض فلسطين، نهاية هذا الكيان ستكون بيديه هو دون غيره، ولتوضيح ذلك نحتاج إلى إعادة قراءة تاريخ بني إسرائيل وهو أمر ليس في هم هذه السطور وإنما يعود الأمر وبشكل مختصر إلى طبيعة تركيب العقلية والذهنية لبني إسرائيل، ونتائج حرب غزة السياسية والاجتماعية في الداخل أعمق وأخطر من نتائج عسكرية مهما كانت مخزية ومهينة.
إن إخراج فرق عسكرية من قوات النخب وإدخال قوات أخرى وتبديل المواقع بشكل متسارع بين شمال إلى وسط إلى جنوب ثم عودة ثم استعادة وصراخ بحجم الخسائر في صفوف قواته وآلياته العسكرية مع طول أمد الحرب دون نتائج وأثره على الوضع الاجتماعي والاقتصادي وفوق هذا تعري الكيان من الغطاء الأخلاقي أمام استهجان أوروبا وأمريكا لضمائر تستيقظ وتملأ الشوارع والميادين كل هذا لن ينتهي ويمضي باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ورفع الحصار عن غزة، بل إنه بداية خطوات الانحدار والزوال الحقيقي الذي سيكون من الداخل وبأيدي المتصارعين في هذا الداخل، هم -أي مسئولي الكيان - يعلمون ذلك وهم يمددون الحرب ويعيدون تكرار الغايات والأهداف تارة وتارة أخرى يكررون صعوبة ذلك وفي تارة ثالثة يعودون مصرين على تحقيق الأهداف حتى إنهم أصبحوا يبحثون عن أي هدف يمكن أن يستعينوا به للدفاع عن أنفسهم لا بل إنهم أحيانا يخترعون إنجازات سرعان ما جعلهم يلعنون اليوم الذي دخلوا فيه غزة مثلما حدث لاكتشاف النفق الذي أطفأته حماس برسالة (وصلتم متأخرين) الأمر فعلا عسير وصعب على قادة الكيان الإسرائيلي وهم في مأزق لا خلاص منه حتى وان شاهدناهم قريبا يترامون بالكراسي في «الكنيس البرلماني».