عبدالله إبراهيم الكعيد
«أنا أوروبي، حقيقة أنا أوروبي، ليس مجرّد شعور. أعتقد أن ما فعلناه نحن الأوربيين خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية حول العالم، يجب أن نعتذر عنه طوال الثلاثة آلاف سنة القادمة، قبل أن نبدأ بإعطاء دروس أخلاقية للآخرين».
الكلام أعلاه للسويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ولا أجزم بصحة قوله هذا لأنني شاهدت ذلك عبر مقطعٍ صغيرٍ مصورٍ بعثه لي أحد الأصدقاء عبر تطبيق (واتساب)، للعلم فالسيد جياني إنفانتينو سويسري إيطالي بمعنى أنه أوروبي قح كما يقال فشهادته تلك تعني الكثير ولها أبعاد ودلالات كثيرة.
ماذا كان يعني مستر إنفانتينو بما فعل الأوربيون خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية لشعوب العالم؟ هل يعني بأن هناك تاريخاً سيئاً لأوروبا حتى قبل ميلاد المسيح عليه السلام؟ ولماذا هذا الاعتراف الصادم لأوروبا وفي هذا التوقيت بالذات؟ وهل يملك رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم منصباً سياسياً كي يُدلي بهكذا تصريح، أم أن كرة القدم في منأى عن الشعارات والتجاذبات السياسية؟ كل هذه الأسئلة دارت في ذهن كاتب هذه السطور بعد سماع وإعادة سماع محتوى ذلك المقطع.
حتى يكون القارئ في الصورة بكل تفاصيلها أقول بأن المسيو إنفانتينو ليس الوحيد الذي كشف حقيقة التاريخ الإجرامي للاستعمار الأوروبي للشعوب في أصقاع الأرض فقد سبقه غيره فها هو أستاذ علم الاجتماع جيان زيغلر وهو أيضاً عضو الهيئة الاستشارية للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. يوضح حقيقة لماذا تكره الشعوب الغرب.
لقد ألّف السويسري زيغلر كتاباً بهذا الشأن وأسماهُ بعنوان (الحقد على الغرب) وأصدقكم القول بأنني حينما اقتنيت الكتاب كنت أظن بأن المؤلف وهو غربي الأصل (نسبة لدول أوروبا) سيقوم بالدفاع عن الغرب ويُحسّن سياساته وسعيه المزعوم لتكريس حقوق الإنسان كما تعودنا سماع تلك النغمة من ساسة ومثقفي الدول الكبرى والمهيمنة.
توقعي ذاك كان في غير محلّه. فقد سعى السيد زيغلر إلى سرد أحداث عاصرها بنفسه إبان عمله كمقرر خاص للأمم المتحدة بالحق في الغذاء من 2001 إلى 2008م تثبت (أي تلك الأحداث) مسلك دول شمال الكرة الأرضية (الغرب) بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على ثروات دول العالم الثالث (من نيجيريا إلى بوليفيا) ونهبها على حساب عذاب أهلها وجوعهم وتدني مستوى المعيشة فيها.
أيضاً لا أنسى كشفاً آخر أكثر إيلاماً بما فعله الغرب من جرائم بحق الإنسانية أوضحه الروائي والصحفي الأوروغوياني إدواردو غاليانو في كتابه (الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية) والذي شرّح فيه جسد دول أمريكا اللاتينية وكشف عن ثرواتها المنهوبة من قبل الدول المستعمرة «البرتغال، إسبانيا، هولاندا، بريطانيا العظمي، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية».
يظل سؤالي قائماً: ماذا كان يعني السيّد إنفانتينو بثلاثة آلاف سنة مضت تستوجب الاعتذار للعالم لمدة ثلاثة آلاف سنة قادمة؟