فضل بن سعد البوعينين
ليست المرة الأولى التي تعلن فيها المملكة رغبتها في استثمار مخزونها من اليورانيوم اقتصاديا، وتحقيق هدف الاستثمار الأمثل للثروات الطبيعية النادرة، وتعزيز الاقتصاد، وتحقيق مستهدفات رؤية 2030 .
في العام 2018 أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لصحيفة «واشنطن بوست» إن المملكة تستحوذ على 5 % من احتياطيات اليورانيوم في العالم، وإذا لم نستخدم تلك النسبة من اليورانيوم، فإن الأمر أشبه بإخبارنا بعدم استخدام النفط».
رسالة واضحة وحاسمة على عزم المملكة استثمار مخزون اليورانيوم، لأغراض سلمية، تسهم في تنويع مصادر الطاقة وسد الطلب المتنامي على الكهرباء، وتحقيق الاستدامة، وتصدير الطاقة النظيفة للخارج وبما يعزز مكانتها كمصدر عالمي رئيس للطاقة.
أعاد وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، خلال جلسة حوارية ضمن منتدى «دافوس» الاقتصادي العالمي، تأكيد موقف المملكة تجاه استثمار اليورانيوم محلياً حين قال: «لدينا مخزون كبير من اليورانيوم في السعودية ونريد الاستفادة منه على الصعيد الاقتصادي لا نريد لأحد أن يأخذ تربتنا وينقلها ويدرك قيمتها والصناعة التي توفرها والصناعات المرتبطة بها والتأثيرات التي تحملها ويستفيد منها خارج السعودية، نريد الوظائف في السعودية ونريد الصناعات في السعودية».
يتعامل الغرب بحساسية مفرطة تجاه تخصيب اليورانيوم، أو ربما نفاق فاضح، برغم امتلاكه الأسلحة النووية، ومفاعلات الطاقة، ومراكز بحث تعمل على تطوير استخدامات اليورانيوم، لأغراض سلمية وعسكرية، وتغاضيه عن امتلاك دول مارقة، أو تطويرها لأسلحة نووية برغم خطرها المحدق على العالم أجمع، وليس الشرق الأوسط فحسب.
من حق المملكة استثمار مخزون اليورانيوم، وتحقيق الفائدة القصوى منه، بدل تصديره للخارج بثمنٍ بخس. تصدير المعادن، بأنواعها، والمنتجات الأولية تتسبب في استنزاف المخزون الوطني دون أن تحقق الأرباح المُجزية، والانعكاسات المرجوة على الاقتصاد. كما أنها تحرم المملكة من تحقيق متطلبات أمنها الإستراتيجي، وتعزيز قدراتها، وخلق سلسلة إنتاج متكاملة في القطاعات المختلفة.
تحكم الغرب في الصناعات الإستراتيجية، واستحواذها على المدخلات الأولية من الدول المُنتجة لها، وبأسعار منخفضة، ثم إعادة تصنيعها كمنتجات نهائية وإعادة بيعها بأسعار ضخمة أمر لا يمكن القبول به، وهو ما بدأت المملكة في تصحيحه من خلال استثمار ثرواتها الطبيعية لبناء اقتصاد متين، و متنوع، ومستدام، خاصة ما أرتبط منه بقطاع الطاقة، واليورانيوم على وجه الدقة، حيث تسعى لتصنيع الوقود النووي للاستخدام المحلي وتصديره، بما فيه إنتاج الكعكة الصفراء واليورانيوم منخفض التخصيب وتصنيع الوقود النووي، مع التزام تام بالقوانين الدولية، ومعايير دورة إنتاج الوقود النووي.
التحول الشامل الذي تشهده المملكة ساهم في التركيز على استثمار ثرواتها المختلفة، لتحقيق هدف التنوع الاقتصادي، واستكمال سلاسل الإنتاج محلياً، بدلاً من تصدير المواد الخام، وتحقيق جانب مهم من أمنها الإستراتيجي. استثمار اليورانيوم محليا، وإنتاج الوقود النووي، ضمن المستهدفات الرئيسة لتوفير الطاقة النظيفة وتحقيق القيمة المضافة للمنتجات الأولية وتعزيز الاقتصاد، وخلق الوظائف، والفرص الاستثمارية وإنشاء قطاع اقتصادي جديد يحقق التنوع المنشود، ويوطن الصناعة ويعزز الأمن الإستراتيجي.
لن تكتفي المملكة بتصدير النفط والغاز، بل ستضيف لهما مستقبلا، تصدير الطاقة النووية، النظيفة والطاقة المتجددة، لتعزيز موقعها العالمي كمصدر رئيس ومستدام وموثوق للطاقة، وهو ما لا يتمناه الغرب، ويسعى جاهدا لوضع العراقيل أمام خطط التحول الكبرى التي تشهدها المملكة.
الوزير عادل الجبير، وفي إشارة إلى عبث التوقعات الذي يمارسه الغرب في ملف النفط والغاز ومستقبل الطاقة، قال «نقف ضد أي توقعات غير واقعية يتم تسويقها عالمياً حول مستقبل الطاقة... ولا يمكن قبول النفاق حول بعض المواقف العالمية تجاه النفط. أصاب الجبير كبد الحقيقة؛ كعادته في ردوده المباشرة، والحاسمة والعميقة؛ في وصف مواقف الغرب المتضادة تجاه النفط، والمتأرجحة بين طلب الحد من الإنتاج حيناً بذريعة التغير المناخي، والإصرار على زيادته أحياناً أخرى، وفق مصالحه، وبعيداً كل البعد عن حماية البيئة وكوكب الأرض. الجبير ربط بذكاء بين عزم المملكة تخصيب اليورانيوم، ومتطلبات القانون الدولي، إضافة إلى جهود المملكة الفاعلة في ملف التغير المناخي.
المملكة عازمة على تحقيق أهدافها، والمضي قدما في خططها الإستراتيجية وبرامج رؤية 2030 وعقد شراكات دولية متنوعة، تسهم في تسريع خططها، وضمان نجاحها، والتحوط من المخاطر الجيوسياسية، والاستخباراتية الغربية، والأزمات الاقتصادية، وأي تشريعات متحيزة ضد النفط مستقبلاً، مع التزامها التام بالقوانين الدولية، والمساهمة الفاعلة في معالجة التغير المناخي ببرامج عملية واستثمارات ضخمة، تتجاوز حدود المملكة، لتصل إلى محيط الشرق الأوسط.
وللغرب نقول ما قاله معالي الوزير عادل الجبير: «إذا كنت ترغب في رؤية واقع السعودية .. عظيم. وإذا كنت لا ترغب.. فماذا إذن!... الحياة ستستمر»، وأزيد: التنمية ستستمر، وحتى تحقيق رؤية سمو ولي العهد وإستراتيجية التحول الكبرى، بإذن الله.