خالد بن حمد المالك
ظلت المملكة الصوت الأقوى والأكثر تأثيراً في المطالبة بدولة فلسطينية، بدءاً من مبادرتها التي تبنتها القمة العربية في بيروت وأطلق عليها المبادرة العربية التي تقوم على تطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، مقابل اعتراف تل أبيب بالدولة الفلسطينية، ولم يتغير هذا الموقف أبداً، بل إن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان صرح بما لا لبس فيه ولا غموض عن أن الحل لهذا الصراع الدامي يكمن في تمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه المشروعة ليتم التطبيع مع إسرائيل، وأن ملف الموقف السعودي لدى الرئيس بايدن لنرى ما سوف يفعله، وكان ذلك قبل أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي، ما يعني إصرار المملكة على قيام دولة فلسطينية، لأن هذا هو الحل الدائم والمستمر.
**
ونيابة عن خادم الحرمين الشريفين ألقى نائب وزير الخارجية وليد الخريجي كلمة المملكة خلال اجتماعات قمة الجنوب الثالثة الـ77 والصين على مستوى القادة في العاصمة الأوغندية (كامبالا) أكد فيها على ضرورة وأهمية توفير المناخ المناسب للعودة إلى مفاوضات جادة وفاعلة لتحقيق السلام وفقاً لمبدأ حل الدولتين، اعتماداً على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
**
ومن الواضح أن العالم بدأ الآن يتحرك باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية، بين دول تنوي إقامة مؤتمرات لهذا الغرض، وأخرى ترفض مساس إسرائيل بأراضي غزة بالتقسيم أو الاستحواذ أو التهجير أو السيطرة الإسرائيلية على أمنها، ودول أخرى ترى ضرورة محاكمة ومحاسبة إسرائيل على حرب الإبادة التي تقوم بها في غزة، في مقابل إصرار حكومة إسرائيل المتطرفة على عدم قيام دولة للفلسطينيين مهما كانت الضغوط، مع أن أمريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية حلفاء إسرائيل يتحدثون عن حق الفلسطينيين بدولة لهم على أراضيهم.
**
ما يعنينا في هذه الحرب، عدم اللجوء إلى التصعيد، وتجنب توسيع رقعة القتال, والتوجه نحو الحوار بديلاً عن الحرب، وهو ما يعني أن تتوقف إسرائيل عن مواصلة قتال الشعب الفلسطيني في غزة، وأن تستجيب لمبدأ تبادل الأسرى مع الفلسطينيين، حيث تحتجز إسرائيل قرابة العشرة آلاف أسير، أكثر من ستة آلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية اعتقلتهم منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، وصولاً إلى إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، تحقيقاً لقيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس وفقاً لخيار الدولتين.
**
وما يعنينا أكثر أن يتم العمل من المسار الصحيح نحو السلام والاستقرار بأن تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عن هذا الدعم غير المحدود لإسرائيل، حيث تقابله إسرائيل برفض قبول دعوات واشنطن - بافتراض أنها دعوات صادقة - بإقامة دولة للفلسطينيين، بل وتستثمر الدعم العسكري والسياسي الأمريكي في قتل المدنيين في غزة، حيث زاد عدد الشهداء الفلسطينيين حتى الآن عن 25 ألف شهيد، وأكثر من 60 ألف مصاب، وهناك أعداد كبيرة قضوا تحت أنقاض المباني المهدمة عليهم.
**
وما يعنينا أيضاً أن استمرار الحرب ليس في صالح أي طرف، وأنها إذا ما استمرت فسوف تعقد المشكلة، وتضعف فرص الحل نحو سلام دائم وشامل في المنطقة، وهذه مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها وعندها مفاتيح إغلاق هذا الملف من القتال الدامي وقيام الدولة الفلسطينية، فإسرائيل بدون واشنطن لن تكون قادرة على حماية أمنها، فضلاً عن ممارسة الاعتداء في أكثر من جبهة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.
**
إن قراءة موضوعية للتطورات والنتائج التي تحققت منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية البرية على غزة تظهر أن أياً من أهداف إسرائيل المعلنة وهي القضاء على حماس وتحرير الرهائن لدى حماس والجهاد لم تتحقق، بينما دفع الجيش الإسرائيلي أعداداً كبيرة من القتلى والمصابين في صفوفه، وبأرقام لم تعتد عليها إسرائيل في كل حروبها مع الفلسطينيين والعرب، ما أظهر ضعف جيش إسرائيل، وعدم قدرته على تحقيق أهدافه رغم مضي ثلاثة أشهر ونصف على بدء الحملة العسكرية البرية، ورغم الدعم الأمريكي ودول أوروبا لهذه الحرب الإسرائيلية.
**
نخلص إلى أن إسرائيل في وضع أضعف من أن تحصل على الأرض والسلام معاً، وأنها لن تأمن على مستقبلها إذا ما واصلت إصرارها على الاحتفاظ باحتلالها للأراضي الفلسطينية، كما أن إبقاء المنطقة في حالة أمن واستقرار لن يكون ممكناً في ظل هذا التعنت الإسرائيلي الاستعماري المدعوم من أمريكا والغرب, وأن قيام الدولة الفلسطينية وهي الآن بين مدٍّ وجزرٍ، أمر لا مفر منه ولو كره الإسرائيليون والأمريكيون ودول الغرب.