سارا القرني
لما جرح أبو سلمة رضي الله عنه في غزوة أحد جرحاً بليغاً، كان يعوده النبي صلى الله عليه وسلم حتى اندمل جرحه، لكن جرحه التأم على فساد داخله، فما لبث حتى انتكأ وأعاده طريح الفراش، وفيما كان يعالج من جرحه قال لزوجته «يا أم سلمة.. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها» ثم ما لبث أياماً ومات رضوان الله عليه وعليهم جميعاً، فلما مات أبو سلمة، قالت أم سلمة في نفسها «أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ثم إنها قالتها، فأخلف الله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم!
المصيبة نوعان.. مصيبة تقع على المرء من عمل يده، فلا يجزع لأنه سبب فيها، ومصيبة تقع عليه من غيره.. وهي إما عدل أصابه جراء أمر فعله.. فكفارته هي مصيبته، وإما ظلم وقع عليه فله أجره عند الله وكذلك القصاص من الظالم، لكن لماذا نقول {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}؟
في إحدى حلقات الشيخ الشعراوي -رحمه الله - سمعت تفسيراً عظيماً لهذا الدعاء، ابتدأه -رحمه الله - بأن الإنسان لا يفعل في ملكه شيئاً يعطبه وإن بدا للناس غير ذلك، فهو يصلح ملكه بما يراه مناسباً ولا يراه الناس كذلك» ونحن إذا وقعت لنا مصيبة نرى فيها شراً لكن الله يريد بنا إصلاحاً وخيراً، ونحن ملك لله يفعل بنا ما يشاء، إذاً {إِنَّا لِلّهِ} مملوكون لا يريد بنا إلا خيراً، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وعند رجوعنا لله سنرى في مصيبتنا إما أجراً وثواباً.. أو اقتصاصاً ممن ظلمنا إن كان قد وقع الظلم!
عجيب أمر المؤمن كله خير.. لا تشوكه الشوكة إلا أجر عليها، فما بالكم بمصيبة، هذا وإن الأجر يكون على قدر الألم منها وما نقاسيه جراءها، لكنها في النهاية وإن كانت ثقيلة فهي لنا لا علينا، لأن الله يقول {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}، فهي أصابتنا لأن الله كتبها لنا لا علينا.
في الأمر خيرة وإن لم ندرك ذلك.. يقول سبحانه وتعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، ففي الصبر نعمة، وفي الاحتساب خلف مضاعف، وإن المرء يجبره عوض الله كأن لم يحزن من قبل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «عجبًا لأمر المؤمن، وإن أمره كله له خير؛ إن أصابته ضراء؛ صبر، فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء؛ شكر، فكان خيرًا له».