أ.د.عثمان بن صالح العامر
تحدث صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز مطلع هذا الأسبوع عن السياحة الحائلية، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتحدث فيها سموه الكريم عن هذا الموضوع المحوري المهم في ظل رؤية المملكة 2030، ومما أشار إليه -حفظه الله- حين حديثه عن المقومات الأساس للسياحة في هذا الجزء من وطننا العزيز المملكة العربية السعودية (الإنسان الحائلي) وجزماً حين يكون الحديث عن الإنسان فنحن إزاء نوع من السياحة لا وجود له في تلك المجلدات والمقالات التي تتحدث عن أنواع السياحات العالمية، إذ غالباً يكون الاقتصاد هو سيد المواقف ولا شيء غيره، والحال في حائل مزاحمة القيم والعادات والتقاليد والأعراف المتوارثة والتي ما زال إنسان المنطقة محافظاً عليها ومتمسكاً بها النزوع الاقتصادي الصرف، ولذلك يمكن القول إن السائح حين تطأ قدماه هذه الأرض الطيبة سيجد أنه يمارس نوعاً جديداً من السياحة يمكن نعتها بالسياحة القيمية، حيث الكرم والجود والاحتفاء بالضيف وسعت الصدر والتسامح مع الآخر أياً كان والبساطة في التعامل والاجتماعية والقناعة بما قسمه الله من زرق، وغير ذلك كثير من القيم الراسخة التي لفتت انتباه من زار المنطقة قديماً وحديثاً، سواء أكان هذا السائح سعودياً أو خليجياً أو عربياً أو عالمياً، فكتب المستشرقون عن قيم الحائليين وتحدث عنها زوراها المعاصرون إبان مشاركتهم في الرالي أو حين رحلاتهم السياحية التي لا حصر لها ولا عد.
يذكر المؤرِّخ السوداني (عبد العزيز عبد الغني) أن «حائل على مدار التاريخ حتى وقتنا المعاصر امتازت بالسماحة والكرم، أثبت ذلك الرحالة في كتبهم ومذكراتهم التي نشروها إبان حياتهم، حيث أشاروا جميعاً بلا استثناء إلى أن الحائليين كانوا متسامحين مع أي زائر سواء من الحجاج المارين أو الرحالة المستشرقين، فهم يقبلون الغريب ويسمحون له بممارسة عاداته وتقاليده التي يمارسها في حياته الطبيعية، فضلاً عن أنهم كانوا يستقبلون الحجيج الذين يمرون بديارهم على اختلاف طوائفهم ومدارسهم الفكرية أحسن استقبال، يؤتى لهم بالطعام مجاناً، وعندما يهمون بالرحيل يحمّلونهم التمر وغيره من الزاد دون النظر لهوياتهم أو أجناسهم أو من أي البلاد جاءوا أو ما المدرسة الدينية التي يتبعونها، ومن دون أن يسألوهم عمَّا هي طائفتهم ومذهبهم العقدي أو الفقهي الذين يدينون به.
والكرم الحائلي ليس حكراً على أهالي حائل، بل تطبع بطبعهم وسلك سبيلهم جلّ من عاش بين ظهرانيهم ردحاً من الزمن حتى ولو لم يكن عربياً، كما أن الكرم الحائلي ليس جديداً ولا طارئاً في تاريخ إنسان المنطقة، بل هو ميراث ورثته الأجيال جيلاً إثر جيل وصولاً لحاتم الطائي الذي انتهى إليه الكرم في التاريخ العربي كما هو معلوم. ولعل مما نقل لنا من شعره توسيعه دائرة الكرم من الجود بالأكل والشرب والمال إلى طلاقة الوجه وحسن الاستقبال وإشعار الضيف بأنه صاحب الدار، إذ يقول في هذا:
«أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيب»
وقد جاء فيما كتبه الرحالة عن المواقف التي مرت عليهم أثناء إقامتهم في حائل ما يجلي هذه السجية والقيمة الأخلاقية العالية، فـ(بلغريف) مثلاً يصف كرم الضيافة في حائل ويصور للقارئ اتساع قدورهم وطيب طعامهم، و(هوبر) يحكي زيارته لعقده فيقول: «اضطررت إلى دخول تسعة عشر منزلاً أو خيمة، حيث قدمت لي القهوة وطبقاً كبيراً من البطيخ أو الشمام المقطع مكعبات.. وأقول اضطررت إذ إن أحدهم ما إن يلمحني سائراً حتى يأخذ مطيتي من الرسن ويقودني إلى بيته متجاهلاً ملاحظاتي».
وتحدثت (الليدي آن بلنت) عن ضيافة أهالي جبة لها حين زارتها مشيرة إلى أن القهاوي مفتوحة للضيوف طوال النهار، وأنها لقيت الترحيب من الجميع. فأهلا بكم في حائل ففيها جمال الطبيعة، ونقاء الجو ودفء المكان وقبل هذا وذاك روعة إنسانها وكرمه الجبلي الفطري الذي هو عنوان لها وسجية عند أهلها، دمتم بخير، وإلى لقاء، والسلام.