سهام القحطاني
هل حب المرأة اثم وخطيئة، وحب الرجل قوة و فحولة؟.
إنا في الهوى لا حول لي أو قوة
إن المحب بطبعه مكسور-سعاد الصباح-
اعتاد العقل الجمعي أن يكون الرجل هو الطرف الواضح في علاقة الحب، وبقيت المرأة ظلا لمثال محتمل في تلك العلاقة بلا هوية أو صوت أو صورة.
وتعددت الأسباب في تخليق ذلك الظل منها؛ ما يعود إلى حياء المرأة أو النسقية المتوارثة أو مقتضيات الخيال؛ فظلال المجهول أكثر جاذبية للجمهور من ممثل المعلوم.
ومع رسوخ تلك النسقية أصبح البوح و التصريح بالحب صفة قائمة بالإلزام للرجل دون المرأة، لتتحول تلك الصفة إلى حق مكتسب للرجل دون المرأة وخاصية من خصائص الفحولة،وهو ما يعني أن ممارسة المرأة لتلك الخاصية هو اقتحام غير شريف لعالم تلك الفحولة، و تقليد لها وهو ما يعني تحويل لصفتها الخاصة من الأنثوية إلى المسترجلة.
لقد ظل مبدأ أن « التصريح بالحب هو للرجال فقط»وهو علامة من علامات الفحولة، و»خطيئة وحبل مشتقة» وعلامة من علامات فجور المرأة و فسقها، مستعمر عقول الشعوب حتى تحولت إلى «نسق اجتماعي ثم ثقافي».
لكن ما لبثت المرأة من التحرر الذهني و ليس الحقيقي تدريجيا من هذا النسق، من خلال الأدب الذي منح المرأة حصانة حماية من المحاكمة الشعبية من خلال قدرتها على التستّر و التخفي بأسماء مستعارة ؛إذ لا فجور ولا فسوق على المجهول، وظلت هاهنا نائبة عن المجهول، وليست مجهولا.
وعندما تتأمل سردية الحب عند المرأة،ستجد أنها سردية مازالت تحتفظ للرجل مركزيته في العلاقة، كما وضحت سعاد الصباح في قصيدتها لا تنتقد خجلي الشديد، فتقول:
لا تنتقد خجلي الشديد ..فرق كبير بيننا يا سيدي..فأنا محافظة ..وأنت جسور..وأنا مقيدة..وأنت تطير.
تكاد تكون الشاعرة ليلى الأخيلية الأولى في اقتحام عالم الحب الذي كان خاصا للرجال فقط،و أصبحت قصتها مع توبة الحميريّ مشهورة بحيث وصفها الحجاج بن يوسف عندما طلبت الاستئذان و الدخول إليه «الأخيلية صاحبة توبة»، وبذلك فقد أصبحت هي صاحبة «إضافة القيمة» ليتحول الصاحب إلى مضاف إليه.
ومن جميل قولها في توبة عندما وقفت على قبره فقالت: السلام عليك ياتوبة،ثم حولت وجهها إلى القوم وقالت: ماعرفت له كذبة قط قبل هذا! فقال القوم وكيف ذلك يا ليلى
ولو أن ليلى الأخيلية سلّمت
عليّ ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا
إليها صدى من جانب القبر صائح
فما باله لم يسلّم عليّ.
ثم تأتي ولادة بنت المستكفي المرأة العصرية أو المتحررة بمقاييس عصرها، العاشقة المتمردة التي قفزت فوق كل الخطوط الحمراء؛ فهي لا تخجل أن تكون قائدة لتلك العلاقة و المبتدأ و الخبر فيها ،فتقول:
ترقب إذا جنّ الظلام زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسر
كانت ميّ زيادة «فتاة أحلام» كل أدباء عصرها، لكنها لم تر بين كل هؤلاء الأدباء الذين يُحيطونها سوى رجل واحد «جبران خليل جبران».
فكانت ميّ زيادة ملهمة أدباء عصرها للحب،وكان جبران ملهم ميّ للحب.
تقول في رسالة تصرح له بحاجتها إلى حبه المعنوي والمادي «ما معنى هذا الذي اكتبه؟ إنني لا أعرف ماذا أعني به، لكنني أعرف أنك محبوبي،وأني أنتظر الحب كثيرا،وأخاف أن لا يأتيني بكل ما أنتظر».
وتأتي غادة السمان النسخة الحديثة لولادة بنت المستكفي،باعترافها في مقدمة كتاب رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان،و الذي نشرت فيه رسائل الحب المتبادل بينها وبين غسان.» أنا من شعب يشتعل حبا،ولن أدع أحد يسلبني حقي في صدقي،وإذا كانت جدتي المسلمة ولادة بنت المستكفي قد فتحت خزائن قلبها منذ تسعة قرون تقريبا ،فلم أخشى أنا ذلك في زمن المشي فوق سطح القمر».
وخارج قصائد الشعر وقصص الحكايات، يظل خجل المرأة في علاقة الحب هو أمر محمود يزيد من بريق أنوثتها، وكبرياء تفاعلها يحميها من تحولها إلى سلعة علنية، فبعض العادات حماية لكرامة المرأة.