سليم السوطاني
في خِضَمِّ أحداث الحياة اليومية تتداعى الذكريات المخبوءة في الذاكرة، فتعود من جديد إلى السطح لتجعل الإنسان حزيناً أو سعيداً؛ بحسب الذكرى التي عادت للحضور.
عندما نفكّر بتأمل في هذه الذاكرة، التي يمتلكها الإنسان، وما تخزنه من أحداث وأسماء ومشاهد... مرَّت بأصحابها في الماضي، تطرق العقل أسئلة كثيرة؛ تتساءل عن ماهية الذاكرة. وأوَّل الأسئلة التي تطرق باب الاستفسار هو «هل الذاكرة انتقائية»؟ أي أن ذاكرة المرء، إذا عادت إلى حدثٍ مخزنٍ، لا تستعيد إلا ما تنتقيه، لتدفع به إلى استذكاره في أوقات الحزن أو الفرح، فيقفز من الذاكرة مشهد واحد؛ بحسب الحالة التي يعيشها الإنسان الذي لجأ إلى الذاكرة في وقت حصول ذلك الحدث الذي ألمَّ به! نقفز من انتقائية الذاكرة إلى أمر آخر، هو أشد خطراً على ذاكرة الإنسان، فقد تتعطل الذاكرة، وربما تتلف فيتحوَّل الإنسان إلى فارغ؛ يحاول أن يتذكّر لكنه لا يجد إلا الأبواب المؤصدة أمامه، فتصبح معلوماته مجرد هذيان لا طائل منه... يفقد الأسماء والوجوه والأمكنة، ولا يعرف أحداً مهما حاول المحيطون به تذكيره به، إلا أن العجز يقف حائلاً أمام كل المحاولات.
تقف الذاكرة عند حد معين، عند بعض كبار السن، وقد تعود بهم إلى العيش في زمن مضى بعيدٍ عن حاضره، فيظل يعيش في تلك الحقبة منقطعاً عن حاضره، لا يتذكر إلا الأحداث والأسماء التي عاشت معه في ذلك الزمن!
السؤال الذي يتبادر إلى ذهني ويحتاج إلى إجابة علمية، وإجابته هي السبيل إلى إنقاذ الذاكرة من التلف: «كيف نستطيع أن ننشط الذاكرة؟ وكيف نحافظ عليها من التلف؟».
عندما يفقد الإنسان ذاكرته يفقد معها وجهته وذاته، ولا يعلم عن الأرض التي يقف عليها.
أسئلة كثيرة تصب في هذا المسار وتُعنى بحالة فقدان الفرد ذاكرته.
عندما تتعطل الذاكرة تماماً يحدث لصاحبها الشتات، ويتعذّر عليه التواصل مع من يحيطون به.
هذا الشيء المهم في الإنسان هو الذي يجعله يركض في ردهات الحياة، ويتعامل مع المحيط الذي يعيش فيه، فإذا كانت ذاكرته متعافية يظل مدركاً وعالماً بكل ما يفعله، أما إذا تعطلت الذاكرة فإن حياته تصبح سجينة الماضي أو سجينة الفراغ؛ لا يستطيع أن يستحضر ما ينفعه لحاضره.
كل ما يمكننا فعله، تجاه من أصيب بهذا الشيء، أن نرفق به ونعتني به جيداً ونحرص عليه؛ لأن الحاضر عنده تلفه العتمة الحالكة، فهو لا يرى ولا يدرك منه شيئاً.