خالد بن حمد المالك
لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية أقل حزناً ووجوماً وتأثراً وخيبة أمل من إسرائيل لحظة صدور قرار محكمة العدل الدولية، إذ جاء القرار مؤكداً الإبادة بأكثر من إشارة، وإن لم يصاحب ذلك قرار يوقّف إطلاق النار، ما جعل واشنطن وتل أبيب تستقبلان قرار محكمة العدل الدولية بردود فعل غاضبة، مع أنهما سبقا القرار بإنكار أمريكا أن إسرائيل تمارس حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وإعلان إسرائيل من جانبها بأنها ستواصل ممارساتها في غزة أياً كان قرار محكمة العدل الدولية.
* *
لقد جاء القرار مُلبياً - ولأول مرة - لعدالة القانون، مُلزماً إسرائيل، بعيداً عن الحماية الأمريكية، بأن عليها أن تلتزم بتجنب ممارساتها ضد شعب يقع تحت احتلالها، وأن عليها اتخاذ تدابير مؤقتة وفورية لمنع التدمير والقتل في قطاع غزة، وأن تتأكد فوراً من أن جيشها لا يمارس حرب إبادة ضد الفلسطينيين، وأن عليها أيضاً الالتزام بتوفير الاحتياجات الإنسانية، مع العمل على اتخاذ الإجراءات لمنع التحريض المباشر على الإبادة، وتطبيق الإجراءات المنصوص عليها لمنع الإبادة الجماعية، فالشعب الفلسطيني بحسب قرار محكمة العدل الدولية مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وعلى إسرائيل منع أي تدمير للأدلة.
* *
وقد جاء قرار محكمة العدل الدولية لينتصر لمبادئ القانون الدولي الذي كانت إسرائيل حالة استثنائية من عدم تطبيقه عليها، وزادت المحكمة بالقول بأن بعض الحقوق التي سعت إليها جنوب إفريقيا في شكواها وعملت للحصول عليها كانت واقعية، وقد جاء القرار بأغلبية أصوات القضاة الـ15 قاضياً، مطالباً إسرائيل بأن تقدم تقريراً للمحكمة خلال شهر عن التزامها وتطبيقها للقرار بكل هذه الحيثيات والتفاصيل، وذلك للتأكد من توقفها عن القتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وضمان عدم ارتكاب أعمال إبادة.
* *
ويوم الأربعاء سوف يجتمع مجلس الأمن في ضوء صدور قرار محكمة العدل الدولية، ونأمل ألا تستخدم أمريكا الفيتو لمنع وقف إطلاق النار، ولعدم إلزام إسرائيل بتطبيق قرارات المحكمة الدولية، فالقرارات مُلزمة، وعلى إسرائيل تنفيذ الإجراءات المؤقتة، ومثلما قال الاتحاد الأوروبي عليها التطبيق الفوري والكامل والفعّال، مع أن تطبيقها مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة لا يمكن بنظرنا أن يتحقق، خاصة وأن رئيس وزراء إسرائيل وأعضاء حكومته يصرون على مواصلة الحرب بحجة الدفاع عن النفس، ويصفون قرار محكمة العدل الدولية، بأن المحكمة لا تسعى للعدالة، وأنها تريد ملاحقة الشعب اليهودي، وأن قرارها وصمة عار لأجيال لن تنمحي، وأن على قضاة لاهاي القلقين على سكان غزة الطلب من الدول لإيوائهم واستقبالهم وإبقائهم عندهم وأن تعيد بناء غزة، وزادوا على ذلك بأن قرار المحكمة معادٍ للسامية، وأن إدانة المحكمة إنما هي لجرائم حرب لم تتم، ومزاعم الإبادة الجماعية لا أساس لها.
* *
إن مجلس الأمن أمام اختبار لتأكيد عدالته أمام قرارات محكمة العدل الدولية الملزم تطبيقها، وأمام الرفض الإسرائيلي لعدم القبول بها، وعدم استعدادها لتطبيق جميع الإجراءات المؤقتة والفورية المنصوص عليها لمنع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، فالشروط - بحسب قرار المحكمة - متوفرة لفرض التدابير المؤقتة، وهكذا ولأول مرة تجد إسرائيل أن الضغوط التي اعتادت أن تمارسها أمريكا والغرب لصالح إسرائيل لم تنجح هذه المرة في ثني المحكمة عن هذا القرار التاريخي المهم، وأن جنوب إفريقيا كانت على حق حين تقدمت بشكواها لدى محكمة العدل الدولية، بل إن دولاً أخرى تريد الآن الانضمام إلى جنوب إفريقيا في مواصلة الضغط على إسرائيل لإيقاف مجازرها في غزة، حتى وإن قال نتنياهو بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وأن المحكمة حرمت تل أبيب من هذا الحق بقرارها، فيما أن عليه أن يقدم تقريراً يؤكد فيه التزامه بتنفيذ التدابير المؤقتة المنصوص عليها بالقرار.
* *
ولإنهاء هذه الدراما الدموية المؤلمة ضد الشعب الفلسطيني، حيث مسلسل القتل والتدمير وحرمانهم من حقوقهم تحت الاحتلال، لا خيار آخر عن إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، وهذه مسؤولية أمريكا قبل أن تكون على عاتق إسرائيل.